قضايا وآراء

التهديد الأميركي لطهران والسيناريو الأكثر احتمالاً

| تحسين الحلبي

في 14 حزيران الماضي نشر موقع «ميديل ايست انستيتيوت» خمسة سيناريوهات محتملة لنتائج التوتر المتصاعد بين الإدارة الأميركية برئاسة دونالد ترامب والجمهورية الإسلامية الإيرانية بقلم بول سالم الذي حددها في: احتمال أن يتعامل ترامب مع موضوع إيران بنوع من البطء المتوسط في السرعة والسخونة ويستمر الوضع بنفس الدرجة من التوتر، أو احتمال أن يؤدي تصاعد التوتر والإجراءات الأميركية قرب مضيق هرمز إلى صدام بضربات عسكرية أميركية محدودة ومحسوبة غير مباشرة ومباشرة من الطرفين ويستمر الوضع بهذا الشكل دون بلوغ مستوى الحرب الشاملة، أو احتمال انفجار صدام عسكري مباشر واسع يمتد إلى كل المنطقة، أو احتمال التوصل دون صدام إلى اتفاق على وضع يتم فيه تخفيض محدود للتصعيد تجد فيه إيران مصلحة لها بانتظار نتائج الانتخابات الأميركية وإمكانية انتخاب رئيس جديد، وأخيراً احتمال حدوث انفراج على طريقة قرارات ترامب غير المحسوبة والمفاجئة.
بالرغم من عمومية هذه السيناريوهات وتغطيتها لما يمكن أن ينتج عن الوضع المتوتر والساخن بين واشنطن وطهران إلا أن الوضع الذي يتحكم ترامب في معظم تطوراته في دول الخليج العربية المتحالفة معه قد يخرج نسبيا عن القواعد التي رسمها له ويحمل معه نتائج لا تتوقعها العائلة المالكة السعودية بشكل خاص على وضعها الداخلي في المستقبل القريب والبعيد ويجعلها تدفع ثمنها، فالولايات المتحدة تحولت بوساطة الدور الذي يقوم به ترامب إلى الرابح الوحيد مع إسرائيل من سياسة انتشار القوات الأميركية في السعودية بحجة حمايتها من «الخطر الإيراني» الذي اصطنع ترامب وجوده في الخطاب الإعلامي والسياسي لدول الخليج لمصلحة أميركا منذ إعلانه عن الانسحاب من اتفاقية فيينا حول الموضوع النووي بشكل أحادي.
بعيداً عن الخطوط العريضة لهذه السيناريوهات الخمسة يلاحظ الجميع أن تصريحات ترامب المتكررة حول دوره في حماية المملكة السعودية تعني بشكل صارخ أنها حماية لجزء من العائلة المالكة لأن تطورات انتقال السلطة إلى الملك سلمان وتعيينه لابنه محمد ولياً للعهد قبل سنوات ولدت انقساماً وتنافساً غير مسبوق على الحكم بين اتجاهين داخل العائلة أحدهما: طرف قبل بهذه النتيجة كأمر واقع مفروض عليه برغم أنه يعده انقلاباً على قواعد اختيار ولي العهد وحافظ بهذه الطريقة على بقائه وامتيازاته في هذه المرحلة التي قد يظهر فيها ما لا يبطن، واتجاه آخر أعلن رفضه لهذه النتيجة أو لم يستطع الإعلان عن رفضه علناً واتجه نحو العمل السري لتغييرها.
بالإضافة إلى هذا الانقسام ومهما كانت درجة تأثيره على الوضع الداخلي السعودي، من الطبيعي أن تولد سياسة ابن سلمان الجديدة الاجتماعية المتحررة نسبياً وغير المألوفة عند أغلبية السعوديين، انقساماً داخل المجتمع السعودي نفسه وأضراراً على السعوديين الرافضين للمشاركة فيها بحجة أنها مخالفة للوهابية «الدينية المذهبية والاجتماعية» التي اعتادوا على التمسك بها ولذلك من المتوقع أن يشكل كل المتضررين قوة احتياطية لكل من يريد العمل ضد سياسة ابن سلمان وسوف يكون الأمراء الذين ألحق بهم سلمان وابنه أضرراً في مقدمة من سوف يسعى لاستخدام هذه القوة.
إلى جانب هذا العامل حذر عدد من المحللين الأميركيين وفي مقدمهم الكاتب الشهير والإعلامي الأميركي صاحب مجلة «وورلد بياند وور» أي «العالم وراء الحرب»، في 24 تموز الجاري، من أن انتشار القوات الأميركية الجديد في الرياض سيجعل كل الأمراء المتضررين داخل العائلة المالكة يستغلون وجود هذه القوات للتحريض عليها بحجة أنها «تتمركز في الرياض لحماية العائلة المالكة وليس لحماية السعودية» وبأنها «قوات من الكافرين في الأراضي المقدسة» وهو المبرر نفسه الذي استخدمه ابن لادن باسم منظمة القاعدة لشن عمليات الإرهاب عام 1998 ضد وجود الأميركيين في السعودية.
من الطبيعي أن تكون وكالات المخابرات والتجسس الأميركية مدركة لمثل هذا النوع من المضاعفات التي سيولدها وجود قوات أميركية في الرياض لكن ذلك لن يمنعها عن العمل على تسخير كل عامل لمصلحة القرار الأميركي وما يتيحه من ابتزاز لأموال النفط السعودية بل ولنفس الملك سلمان وابنه تنفيذاً لسياسة ترامب التي يطالب فيها كل من يقدم له الحماية بدفع ثمنها المالي الباهظ.
بواسطة هذه السياسة وما تنطوي عليه من مضاعفات يسعى ترامب إلى التسبب بصراع داخلي في عاصمة المملكة وبين تيارات العائلة المالكة بالذات يكون فيه هو الرابح مهما حمل هذا الصراع من نتائج في المستقبل القريب والبعيد على هذا الجناح الملكي أو الآخر طالما أن واشنطن هي التي تحدد وتدير قواعد اللعبة في الرياض وتحقق المزيد من الابتزاز المالي.
هذا يعني في النهاية أن التحريض الأميركي الإسرائيلي على إيران سيكون قد اقترب من فرض سيناريو استمرار بقائه على الوضع الراهن دون صدام عسكري محدود أو مباشر طالما أن التحريض على إيران والتهديد بحرب ضدها سيظل الفزاعة الكبرى التي تستخدمها الإدارة الأميركية بواسطة انتشار قواتها داخل الأراضي السعودية وبقية أراضي الخليج واستلام الأثمان المالية من بيع الأسلحة لهذه الدول ومن تقديم الحماية المباشرة لها باسم هذه الفزاعة المصطنعة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن