اقتصاد

عليكم بـ«الدجاج البياض»!!

علي هاشم :

لغة تصالحية مشوبة بالمناجاة اتخذتها الحكومة في جلستها المفتوحة مع الإعلام الوطني مطلع الأسبوع الماضي، بين مخارج الحروف وفواصلها، تبدى عتب شديد حيال «جحود» الانتقادات القاسية التي تكال لحركاتها وسكناتها ممن لم يدركوا بعد المعنى الاقتصادي للحرب الشرسة التي تشن علينا.
نحن في حرب.. نعم، ويكاد أحدنا يتنشق رائحة الدم الزكي المبذلول مقابل كل لفحة دفء في ضلوعنا، ويرى في الضوء الذي يبدد وحشة شوارعنا ذلك الجسد الذي لا يزال مصلوبا على أعمدة الكهرباء ومحطات التوليد.. نعم، جميعنا يرى الحرب في دماء الأحبة والخبز والملح وأعين الأطفال… لكن الاجتراء على أداء الحكومة ليس لما فعلته في مواجهة الحرب، بل لما لم تفعله.
تقول العلوم الاجتماعية إن الحروب تزيد قناعة البشر بما لديهم.. فلماذا لم تنجح في ذلك معنا؟
على الحكومة التيقن بأن انتقاد أدائها العام هو انعكاس موارب لسخط المواطن الذي لم تترك له الحرب ما يكفي لتكيفه معها، وهي لذلك حين تغذ خطاها نحو تحسين واقع الخدمات العامة والإغاثة، إنما تطارد وهماً في مرآة الضيق الشعبي، لا الضيق ذاته.
قبل 4 أعوام، لطالما تجادلنا حول دقة الـ12% التي كان يسوقها البعض معادلاً للبطالة، ومنذ ذلك الحين، ما فتئ قطاع التشغيل يواصل تقهقره يوماً فآخر، ومع كل مكان جديد يطؤه الإرهاب أو يدنو منه، يتم اقتطاع مساحة جديدة من خريطة التشغيل ليرمى من فيها إلى صفوف العاجزين عن التكيف في المناطق الآمنة، ومن كان يتحدث عن الـ12% آنذاك، له أن يتخيل حال هذه المناطق التي لم تكن أصلا موئلا لقطاع التشغيل، وله أن يتخيل قدرة السواد الأعظم من قاطنيها على التكيف!.
من جهة الحكومة، يضطلع الإنتاج بأهمية بالغة في ضبط الاقتصاد الكلي، لكنه في الجهة المقابلة يعني للمواطنين تأمين الحد الأدنى من متطلبات «صمودهم/ حياتهم»، ولأن الاستثمارات الكبيرة تستجيب بقوة للظروف الأمنية «قنبلة واحدة قادرة على تعطيل مدينة صناعية وتقتل الرغبة في الاستثمار»، فقد كان على الحكومة المسارعة لترميم «الإنتاج/ الشغيل» عبر سلاسل المشاريع الصغيرة بقدرتها على التوزيع الأعدل للثروة المتاحة والترميم الأعمق للإنتاج وكمونها الذاتي في تحييد المصاعب الأمنية تبعاً لتوزع مخاطرها على كامل المساحة الآمنة التي تنشط فيها، ناهيك عن أن تمويلاتها المصرفية لن تترك أثارا تضخمية تخشاها الحكومة، فمع سرعتها القياسية في طرح المنتجات لا تلبث الكتلة السلعية أن تزداد بما يعيد توازنها مع الكتلة النقدية.
فهل قامت الحكومة بما تستطيعه لدعم صمود السوريين بتمكينهم من الحد الأدنى للتكيف؟
المنظمات الأهلية سجلت «وفق وزنها» حضوراً لافتاً في ميدان المشاريع الصغيرة، هذا أمر رأته الحكومة لكنها لم تحرك ساكنا لدعمه مؤسسيا؟!، يخطر للمرء التساؤل حول الفارق الجوهري بين جدوى مبادرة «الدجاج البياض» التي أطلقتها المنظمات في أريافنا، وبين جدوى «اللاشيء» الذي فعلته الحكومة لقطاع المشاريع الصغيرة.
عفوا، لقد فعلت الحكومة شيئاً، فقبل أيام أصدرت «تعليمات تمويل المشروعات الصغيرة» مطلقة رغبة جامحة بالصراخ: رجاء تناسوا دوركم التنظيمي، وابحثوا لكم عن تعاون مع المنظمات الأهلية فما نريده هو «دجاج يبيض».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن