قضايا وآراء

التهديدات الأميركية لإيران.. انقسام دولي وحرب باردة مقبلة

| رزوق الغاوي

في إطار محاولات الإدارة الأميركية الرامية لمحاصرة إيران وعزلها دولياً وإقليمياً وإخضاعها لسلسلة من العقوبات التي ستُقابل بوقوف كل من سورية والعراق ولبنان واليمن إلى جانب إيران باعتبارها موجهة ضد المؤسسات العامة والخاصة والشخصيات الحكومية والاجتماعية الإيرانية، تأمل واشنطن أن تؤدي في نهاية الأمر إلى إرغام إيران على عقد اتفاق نووي جديد معها حسب رؤية الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يختلف إن لم يتناقض في جوانب منه، مع رؤية باراك أوباما الذي سبق أن رعى إنجاز الاتفاق النووي الإيراني عام 2015 معتبراً أنه يشكل مصلحة إستراتيجية للولايات المتحدة الأميركية، على حين رأى فيه ترامب مصلحة إيرانية فقط على حساب المصلحة الأميركية، غير أنه لم يخطر ببال ترامب أن ضغوطه على الجانب الإيراني قد أعطت طهران فرصة ذهبية لرفع نسبة تخصيب اليورانيوم التي سبق أن حددها الاتفاق النووي.
محاولات أميركية تسعى واشنطن للسير فيها بغية تشكيل تحالف دولي مشترطة، حسب متابعين، على من قد يوافقها الرأي أن تقتصر مهمة أطراف هذا التحالف الذي مات قبل أن يولد، على أنها موجهة فقط ضد إيران مع اشتراط واشنطن عدم قيام أية علاقات اقتصادية بين أطراف هذا التحالف المفترض، وهي محاولات تتضمن ثلاثة مشاريع لم يرَ النور أي منها حتى الآن:
– تمثل أولها بدعوة أميركية لإقامة تحالف آسيوي أوروبي خليجي، ما لبثت أن سقطت جراء معارضة الدول الأوروبية الثلاث الموقعة على الاتفاق النووي وهي فرنسا وألمانيا وبريطانيا، في بيان مشترك دعت فيه إلى وقف تصعيد التوتر واستئناف الحوار، معربة فيه عن قلقها من تصعيد التوتر في الخليج ومن مخاطر انهيار الاتفاق النووي والتصرف بمسؤولية تجاه هذا الأمر، والبحث عن السبل الكفيلة بالحيلولة دون انهياره، وتفادي أي تداعيات تفرزه في منطقة الخليج ليس بإمكان أحد التكهن بمدى خطورتها على المصالح الغربية فيها.
-ـ الدعوة الثانية لتشكيل تحالف أميركي بريطاني سعودي إماراتي إسرائيلي، ما لبثت هي الأخرى أن سقطت جراء موقف دولة الإمارات المتمثل بمراهنتها على الحل السياسي ودعوتها إلى تخفيف حدة التوتر في منطقة الخليج والذهاب إلى الحوار، آخذة في الاعتبار أنها جارة لإيران ومتشاطئة معها في خليج عُمان، وأن التصعيد العسكري يمكن أن يشكل تهديداً للإمارات.
– الدعوة الثالثة لتشكيل «ناتو أميركي- خليجي» لكنها سقطت جراء الموقف القطري الذي يرى أنها تشكل انقساماً بين دول الخليج، وبذلك فشلت واشنطن بتشكيل هذا الحلف، وسقطت فكرة «الناتو العربي»، يضاف إلى ذلك أن لأنقرة موقفاً خاصاً من العقوبات الأميركية الاقتصادية والعسكرية المفروضة ضد إيران ينطلق من حرصها على مصالحها في المنطقة ومواقفها من المسألة الكردية، فيما تبقى إسرائيل على استعداد للمشاركة في التحالف ضد إيران انطلاقاً من كون الولايات المتحدة الأميركية الحليف السياسي الرئيسي لها.
وترى دوائر أميركية داخلية ودولية وإقليمية، أن من شأن تشكيل حلف «أميركي- خليجي» أن تكون له تداعيات خطيرة على الاقتصاد الأميركي، ما أفرز العديد من التحفظات والاعتراضات على تشكيله، وخاصة على ضوء مساعي الإدارة الأميركية الرامية لخفض سعر النفط، الأمر الذي تعارضه جميع دول الخليج وخاصة السعودية التي تهدد واشنطن بوقف التعامل بالبترودولار بعد أن لمست نية واشنطن فرض عقوبات أميركية ضد بلدان منظمة الأوبك، ما يشير بشكل أو بآخر إلى وجود بعض الفتور في العلاقات بين واشنطن من جهة، وكل من الرياض وأنقرة من جهة أخرى، جراء ما يمكن أن تلحقه السياسة الأميركية في المنطقة من أضرار بمصالح البلدين الاقتصادية.
في السياق يبدو واضحاً أن ترامب يواجه معارضة صريحة من سياسيين أميركيين يثيرون من جديد قضية اغتيال جمال خاشقجي وحرب اليمن مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية العام القادم، والتي يحسب لها الرئيس الأميركي ألف حساب، ويُشارُ هنا إلى أن أوساط الجناح اليساري في الحزب الديمقراطي وعدداً من الديمقراطيين في مجلس النواب الأميركي يصرون على ضرورة البدء بعملية عزل ترامب على حين يرى آخرون ضرورة تركيز الجهود والعمل على إلحاق الهزيمة به في الانتخابات المقبلة.
يمكن القول إن المعارضة التي يواجهها ترامب الآن داخل الولايات المتحدة الأميركية وخارجها وخاصة من قبل العديد من الدول الحليفة لواشنطن أو الصديقة لها في القارتين الآسيوية والأوروبية وتحديداً في منطقة الخليج، قد شكلت صدمة لترامب ربما من شأنها إخراجه من المآزق والورطات التي أوقع نفسه وبلاده فيها ما جعل بعض البلدان الصديقة لواشنطن تعيد النظر في طرق التعاطي معها وتقييمها يما يتفق مع مصالح تلك البلدان، ولعل الفتور الذي يعتري العلاقات التركية الأميركية في هذه الآونة، خير مثال على ذلك وخاصة بعد حصول أنقرة على صواريخ «إس400» الروسية وإحجام واشنطن على تنفيذ اتفاقها مع أنقرة لتزويدها بطائرات «إف35» المقاتلة التي تساهم تركيا باستثمارات واسعة النطاق في برنامج تصنيعها، حيث تنتج الشركات التركية 937 جزءاً من أجزائها.
تبقى النتائج على المدى المنظور رهناً بما يستجد من تطورات قد تطرأ على السياسة الأميركية خلال المرحلة القادمة التي لا يمكن الآن التكهن واستباق ما قد تشهده تلك المرحلة من أحداث حيث الاعتقاد السائد في الساحة السياسية الدولية الآن أن احتمالات التصعيد إلى مستوى المواجهة العسكرية سوف تبقى غير واردة على الرغم من استمرار التهديد بها، لكن في حال تمكن ترامب من تشكيل حلف «ناتو عربي» فسيكون ذلك حافزاً لتشكيل حلف «وارسو عربي» ما يعني المضي في مرحلة جديدة من الحرب الباردة بين المعسكرين الأميركي والروسي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن