قضايا وآراء

معادلة كسر الحصار

| مازن بلال

يعتبر الكثير من القوى الدولية أن معركة العقوبات الاقتصادية بحق سورية جزء من الأزمة، ويتم تأجيل بحثها لتصبح ضمن سلة الحل السياسي المتعثر لسبب وحيد مرتبط بعدم القدرة على خلق توازن سوري جديد، فالعقوبات لم تعد عامل قوة للأطراف التي تواجه الحكومة السورية، بل محاولة لإيجاد قوى جديدة يمكنها أن تخلق توازناً يحقق شروط الحل السياسي وفق التوجه الأوروبي بالدرجة الأولى.
وحتى نستطيع قراءة منطق العقوبات الحالي فلا بد من ملاحظة الشكل التحفيزي المرافق له، فصناديق الائتمان التي يتم التطرق لها هي جزء من هذه الآلية ومن البحث عن شركاء محليين يعيدون طرح عملية التفاوض من جديد، ورغم أن الأزمة السورية في ظاهرها أعمق من العقوبات لكن حالة «السكون» بين القوى حالياً تشكل عامل قلق للجميع، فلا التحرك العسكري ممكن مع وجود خطوط حمراء دولية ولا الحل السياسي قادر على الانطلاق لأنه لم يعد يشكل رهاناً لإضعاف الحكومة السورية، وتدخل هنا شروط رفع العقوبات كنقطة ارتكاز لإعادة بناء الحل السياسي عبر دفع المساحة السورية لطرح قوى جديدة، لكنها متشابكة مع طبيعة الحل الاقتصادي للأزمة الذي يمكن أن يفتح أبواباً تفاوضية جديدة.
عمليا فإن الحصار والعقوبات أمر مرهق للمجتمع السوري عموماً، وهو في الوقت نفسه يطرح تساؤلات على مستوى الداخل السوري حول مستقبل الواقع المعيشي، وهي أسئلة مطروحة أمام الاقتصاديين والمتمولين في آن، على حين يتم عزل السياسة على المستوى الإجرائي عند طرح هذه المعضلة، فالسياسية وفق هذا التصور عاجزة حالياً ويمكن أن تأتي مع الحلول الاقتصادية القادرة على كسر الحصار ورفع العقوبات.
في المقابل فإن تجاوز المعضلة الاقتصادية يحتاج بالفعل إلى قوى جديدة بعيدة عن الشروط الأوروبية والأميركية إجمالاً، ففي واقع الأزمة سيكون «الرأسمال الوطني» حالة فارقة لا تستطيع رفع العقوبات لكنه يحاول بناء واقع مواز، فتجارب الحصار العالمية تقود إلى تصورين:
– الأول إنتاج واقع سياسي هش كما حدث في ليبيا بعد أزمة لوكربي كمثال، أو حتى العراق بعد عملية احتلال الكويت، وفي هذه الحالة تفسح الاشتراطات الدولية لنمو قوى أغلبها في الخارج وغير قادرة على التأثير إلا في حالة الانهيار العام، العراق نموذجاً، لتعيد صياغة معادلة سياسية أكثر هشاشة وغير قابلة للتوازن.
– الثانية واقع بناء قوة الدولة كما حصل في كوبا وإيران وكوريا، وفي هذه الحالة يصبح الحصار جزءاً من حياة الدولة والمجتمع ويشكل معادلة توازن دولي وذلك بغض النظر عن الحالة الداخلية.
واقع الأزمة في سورية لا يمكن أن يتجه نحو أي من التصورين السابقين، فتعقيدات الأزمة فرضت وجوداً عسكرياً دولياً، وهو ما يستدعي بناء حالة مختلفة على المستوى السياسي، وذلك قبل أي تفصيل مرتبط ببناء اقتصادي يقود لحل سياسي وفق الرؤية الأوروبية، والحديث القديم عن «عقد اجتماعي جديد» أو دستور وفق المنطق الدولي حاليا، يتطلب بالفعل إعادة التفكير بهذا العقد لأنه «ميثاق قوة» داخلي وليس شرطاً سياسيا مسبقاً لحل الأزمة، وفي البحث الدولي عن قوى جديدة لتوفير توازن مختلف ربما نحتاج لقوى لا تكون على طاولة التفاوض بل ترسم مسار السلم القادم ليصبح التفاوض سورياً لتثبيت القوة وليس شأناً دولياً يؤدي لضياع مستقبل المواطن السوري الذي دفع ثمن تصارع إقليمي ودولي، ويحاول اليوم البحث عن استمرار وجوده وسط معادلة العقوبات والحصار.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن