الخوف من اليمين السياسي والعقائدي يجب ألا يستخف به.
اليمين يختلف من بلد لآخر، ومن بيئة لأخرى، وقدرته على المناورة تبقى ضمن حدود مصالح فئة ضيقة، تضع نفسها في موضع القيادة، وتتجنب وتمنع كل طرق المساءلة.
وحتى حين تتيحها على مضض، فباستخفاف وشفقة، شفقة الطبيب الخفية على مريض لا يعرف بعد أنه محكوم بالموت القريب.
هذا إن وجدت هذه الشفقة، وهي غالباً مكروهة لدى الأتباع، وعلامة ضعف غير مقبولة، وتتصدرها مكانة لدى القادة وتابعيهم من الخط نفسه الإحساس بالاحتقار لكل ما هو مختلف، مهما عظم شأنه بالمنطق والعلم والموهبة، فهو ليس سوى خادم مسخر لقضيتهم العامة ومصالحهم الخاصة.
اليمين موجود في كل المجتمعات، وهو كمصطلح ربما يكون مطاطاً، ويشير غالباً إلى علاقة الزواج بين الاحتكار المالي والاقتصادي والنخبويات الدينية والعرقية، علماً أن اليمين المتجدد في أوروبا ليس تماماً يمين البرجوازيين، بقدر ما هو نزعة الطبقة الوسطى والفقيرة للتقوقع وعدائية الآخر، وللسخرية فإن بين هؤلاء فئة لا يستهان بها من المهاجرين والمتجنسين، الذين يعتقدون أنهم يترفعون عن جذورهم، ويحلقون بعيداً نحو العالم الحر المتقدم، فقط عبر رفضهم لكل انتماء سابق، ومفاخرتهم بالبصاق عليه علناً.
وفي الإمبراطورية الرومانية، في عقود عزِّها منح الإمبراطور السوري الأصل كراكلا كل حر يعيش تحت سلطة روما حق المواطنة، بعد أن كانوا تابعين وشعوب احتلال، ورغم أن الفكرة كانت ثورية في وقتها، ومالية الجذور لتحصيل ضرائب إضافية، إلا أنها أسست لأكبر جنسية محمولة في التاريخ القديم، لكنها أيضاً لم تحظَ بقبول الشعوب الخاضعة، بل ترفع حكام روما عنها لاحقاً.
تماماً كما فعل الإنكليز بالأوطان التي استعمروها وأبرزها الهند، فالأنا العرقية هي علامة التميز الأساسية، لتلك القوة الاقتصادية والعسكرية حينها، وما زالت حتى اللحظة دول كثيرة عربية وغير عربية ترفض تجنيس قاطنيها، ومنحهم حقوق التزاوج بأهل البلد الأصل حفاظاً على العرق، الذي يطيب لأصحابه أن يعتقدوا بأنهم مختارون، وأن دماءهم نقية من التجانس والاختلاط، وبالتالي استمراريتهم محفوظة من مخاطر الانقراض، والتشتت.
ما الذي يجعل عرقا يشعر بتفوقه على الآخر؟ هل هو العلم؟ هل يحمل عرق دون آخر ثمار شجرة المعرفة، موكل إليه مهام حمايتها؟ هل اختيار اللـه لشعب دون آخر؟ أم هل القوة والسلطة والإمكانات التي عبر التاريخ لم تستقر بيد شعب استقراراً أبدياً، بل جاءت وذهبت وجاءت وذهبت مجدداً؟
اسألوا التوتسي والهوتو في رواندا، ما الذي يجعل فئة تشعر بالتفوق على أخرى؟ جنوب السودان وشماله، البيض والسود في الولايات المتحدة، وعبر تاريخها. وهنا المتدين من غيره. جنسيات القرن الماضي الوليدة من تلك التاريخية، ابن الطائفة، العشيرة، القبيلة من ابن الوطن.
كل اليمين باختلافاته السابقة، ومبرراته لإحساسه بالنقاء والعدائية للآخر، يتفق مع أعدائه من اليمينيين، بأن أفضل ما يمكن أن يحدث لعدوه الآخر، هو أن يكون بخدمته، ذلك إن لم يفضل الموت على ذلك، أي أن يجسد الصورة التقليدية، للمزارع المنحني على تراب أرضه، بينما سيده يجول بعينيه على مساحات تتعدى الأفق البعيد.
وكل اليمين يتفق على أنه ولد من رحم الظلم والإهمال، يقود لمزيد من اليمين، سواءً كنا نتحدث عن الخاضع أو سيده.