ثقافة وفن

الأسرة في المثل الشعبي … لا تدوّر على حمرة الخدود .. دوّر على الأصل والجدود

| منير كيال

تناولت مقولات المثل الشعبي العديد من المجالات وكان من ذلك اهتمامه بالأسرة التقليدية، ومن ذلك ما كان بين الزوجين، وما كان بين الزوجة وحماتها (أم الزوج) وكذلك بين الزوجة وبنات حميها (أخوات الزوج). كما أن هذا المثل لم يغفل عن العلاقة بين السلايف، وهن زوجات إخوة الزوج فكان من الأمثال التي تحض على ترابط الأسرة.

أهلك ولو تهلك.. ولو دبوك عالمهلك.
ولعل من الممكن القول إن المرأة التي تشكل اللبنية الأولى بالصرح الاجتماعي، تعتبر من أهم المواضيع التي تعرض، اهتمّ بها المثل الشعبي، لكون هذه المرأة محور العلاقات الاجتماعية، والملاذ الذي يأوي إليه الرجل، والواحة التي يأنس إليها بعيداً عن مشاق الحياة.
فالأمثال الشعبية والحال هذه، تقدم لنا صورة عن خلاصة تجارب المرأة في مجال الأسرة التقليدية قبل أن ينزع الشباب إلى الاستقلالية، وقبل أن تدخل المرأة معترك الحياة.
لم يكن تكوين الأسرة التقليدية بذلك الحين يقوم على العواطف المتبادلة، بل ولا على الطباع المتوافقة بين الزوجين، وكان على الزوجات أن يقبعن في بيوتهن، ولا يخرجن منها إلا للضرورة، وإذا خرجت الواحدة منهن، فعليها أن تكون محجبة بما يُعرف بالملاية، بحيث لا يظهر منها أكثر من كفيها عند الضرورة، والويل كل الويل للمرأة التي تخرج من بيتها بالمنديل أو الإشارب، لأن الأولاد سوف يلاحقونها وهم يقولون لها:
– أم البونيه الرقاصة.. يبعث لها حمّه ورصاصة.
وقد رصدت الأمثال الشعبية ما يدور بخلد الشاب والفتاة عند الإقدام على الزواج، وما يتطلب ذلك من سعي دائم لتلبية ما يتطلبه البيت، فقالوا في ذلك:
البيت ما بدّه كبريت.. بدّه عفريت.
كناية عن ضرورة السعي الدائم، لتلبية متطلبات البيت وكانت التقاليد لا تستنكر أن يتطلع الشاب إلى الزواج من فتاة على سعة حالٍ أو «مسعدة»، كما يقولون، ولو كانت على قدر محدود من الجمال، وقد صور لنا المثل الشعبي ذلك بقوله:
يا آخذ القرد على ماله.. بيروح المال ويظلّ القرد على حاله.
وكان على الفتاة أن تستجيب للقدر عليها تماشياً مع قول المثل الشعبي:
المكتوب ما منّ مهروب.
ومن جهة أخرى، فقد ساد الاعتقاد بالأسرة التقليدية يقول: إن المرأة مخلوقة من ضلع من سيتزوجها، وهي قسمته ولذلك نجد أن هذه الأمثال قد عملت على تقديم النصح للمقدم على الزواج، من حيث البحث عن حسب ونسب من سيتزوجها فضلاً عن الأصالة، لأنها ستكون أماً لأولاده فكان ذلك مدعاة للمثل الشعبي القائل:
خود (خذ) الأصيلة، ونام عالحصيرة.
والمثل القائل: لا تدور على حمرة الخدود.. دور عالأصل والجدود.
وبالمقابل فإن أهل الفتاة لا يقلّون حرصاً من حيث حسن طباع وكرم من سيتقدم للزواج من ابنتهم.
وكان من المتعارف عليه بالأسرة التقليدية، أن تكون الفتاة لابن عمها إذا أراد الزواج منها، وكان لابن العم الحق أن ينزل ابنة عمه عن الفرس الذي ينقلها للزواج من غيره إذا كان له الرغبة في الزواج منها، لذا كان من يريد الزواج من فتاة أن يرضي أبناء عمومتها، حتى يتم هذا الزواج، فإذا انعقد الشمل، وقامت الأفراح والليالي الملاح التي يصفها المثل الشعبي بقوله: ليالي العرس.. حلس..
لا تلبث حقيقة كل من الزوجين، أن تكون على نحو من الوضوح، ويتعرف كل منهما إلى حقيقة الآخر، يقول المثل:
يذوب الثلج ويبان المرج.
وبالتالي يلعب المثل الشعبي الدور المصور لحقيقة الحياة الزوجية، وما يرافقها من تعايش الزوجة مع حماتها (والدة الزوج) وبنات حميها (أخوات الزوج)، وسلايفها، وضرتها، وما يرافق ذلك من سلبيات أو إيجابيات، وغير ذلك من رواسب تدل على ما كانت عليه المرأة.
ومن الأزواج بالأسرة التقليدية من كان يخفي حبه لزوجته، رغبة منه لفرض احترامها له وحتى تكون طوع إرادته، على حين يكون هذا الزوج خارج المنزل مع من يتعامل معه على نحو من حُسن المعاملة، فقال المثل الشعبي بذلك: بالبيت دبور.. برّه شحرور.
وقد كان ما تلقنه الأم لابنتها (الزوجة) دور في استمرار الحياة الزوجية لابنتها بالأسرة التقليدية فقال المثل الشعبي في ذلك: طب القدر على فمها.. بتطلع البنت لأمها.
فالأم لا تني تزرع بخلد ابنتها، المبادرة إلى ما يرضي الزوج، من عناية بأنوثتها، وحسن استقبال لزوجها، وما ينبغي أن تكون عليه في بيتها إذا كان تسكن مع أهل زوجها، وذلك من ترتيب وأطافة ونظافة، عملاً بقول المثل القائل: غسلي وجهك ما بتعرفي من بيبوسه، ونظفي بيتك ما بتعرفي مين بيدوسه.
وقول المثل: لقمة العريس مقمرة.. بدها إيدين مشمرة.
وهذا بالطبع يخفف من غلواء الزوج، ويجعله أكثر ليناً مع زوجته، وبالتالي لا يقدم هذا الزوج لعلاقة مع امرأة أخرى.
وقد كانت والدة الزوج تنظر إلى زوجة ابنها نظرة فوقية، لكون هذه الزوجة استأسرت بابنها، فتعامل هذه الحماية زوجة ابنها معاملة فوقية، وكان من أشكال ذلك أن من هذه الحموات من كانت تجعل كنتها تمر بين قدميها ليلة عرسها، وبالتالي فإن شقيقات الزوج لم يكنّ على نحو أفضل من أمهن مع زوجة أخيهن، فكان شعور هذه الزوجة (الكنة) بأن الحماية رحمة، وبنت حماها عقربة مسمّة.
فتعبر الزوجة عن ذلك بقولها:
يبعث لها حمة حماتي
شو بتريد مآذاتي
كل يوم بتقول لابنها
هالكنة ما بتعجبنا
قوم طلقها قوم قلعها
عيفتني حياتي
ولعل هذا ما يبرر قول المثل الشعبي: مكتوب على ورق الجنة.. عمرها حماية ما حبت كنة.
أما العلاقة بين الزوجة وسلفتها (زوجة أخي الزوج)، فقد كانت على نحو من المكايدة والحسد، حتى كان من الزوجات من تفضل ضرتها على سلفتها، وفي ذلك قول المثل الشعبي: بين السلفة والسلفة داءات مختلفة.
مركب الضراير سار ومركب السلايف احتار.
وقد كانت مساكنة الضراير والحماية بدار واحدة بأسوأ حال بكثير من الحالات حتى إن من الزوجات من اعتبرت حماتها وضرتها على درجة واحدة من التعامل معها، وقال المثل الشعبي في ذلك: لا حماية ولا ضرة إلا سخطة من الله.
وبعد، فإن بقاء حال الزوجة على تلك الأحوال أصبح من المحال، بعد تطور الحياة ودخول المرأة معترك الحياة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن