قضايا وآراء

دول النفط العربية وفواتير الحرب.. و«الإعمار» الأميركية!

| تحسين الحلبي

إذا كان السؤال الذي يشغل اهتمام الجميع من دول المنطقة والعالم الآن حول احتمال وقوع الحرب في الخليج بين الولايات المتحدة وإيران يصعب التكهن به فإن السؤال حول ما يمكن أن تكلفه حرب كهذه بين مختلف الأطراف يمكن تقديره وتحديده قبل وبعد نتائج الدمار الذي تخلفه مثل هذه الحروب.
فبعد عام على حرب الخليج 1991 نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» في الثامن من أيلول عام 1992 أن الحرب كلفت دول الخليج التي تضررت من الحرب مع العراق 620 مليار دولار بموجب قيمة الدولار في ذلك الوقت لإعادة إعمار ما دمرته الحرب من آبار نفط وأنابيب ومنشآت نفطية وغير نفطية تولت تنفيذها الولايات المتحدة مقابل أموال هائلة، ناهيك عن الخسائر البشرية التي تكبدها المشاركون فيها من جميع الأطراف العربية في الخليج.
في هذه الأوقات يجد الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن أي حرب يشنها على غرار عمليات الجيش الأميركي في الحرب في ليبيا عام 2011 وفي الحرب ضد إرهاب داعش في العراق وشمال سورية وكذلك في الحرب التي يدعم فيها السعودية في اليمن ستحقق بشكل مؤكد مصالح أميركية كبيرة سواء انتصر فيها أو لم ينتصر، لأنه سيسعى في نهايتها إلى احتكار عمليات إعادة الإعمار في ساحات دولها المتضررة وبخاصة حين تكون من الدول النفطية الغنية.
يبدو أن هذه المعادلة الإمبريالية الأميركية القديمة التي تبنتها واشنطن بواسطة تنفيذ «مشروع مارشال الاقتصادي» لإعادة إعمار أوروبا بعد انتصار الحلفاء ضد ألمانيا وحلفائها في الحرب العالمية الثانية وبعد الدمار الذي خلفته في دول أوروبا خلال ست سنوات الحرب ستعود لتظهر من جديد وبشكل واضح لخدمة الخزينة الأميركية.
فالحرب التي تهدد بشنها واشنطن ضد إيران لا يمكن أن تقتصر على مجابهات عسكرية فوق مياه الخليج أو فوق الأراضي التي ستستهدفها القوات الأميركية، بل إن مصلحة الولايات المتحدة نفسها بموجب ما يخطط له مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون تكمن في توريط بعض دول الخليج العربية التي تنتشر فيها قوات أميركية بهذه الحرب أو ممن ستفرض عليها واشنطن المشاركة بالحرب مباشرة ضد إيران لكي تتعرض هذه الدول للدمار من وسائط الدفاع الإيرانية عندما ستعلن عن مشاركتها بالحرب على دولة جارة مثل إيران.
أليكس وارد، أشار في تحليل نشرته المجلة الأميركية «فوكس» في 8 تموز الجاري إلى أن أحد السيناريوهات المحتملة للحرب الأميركية على إيران قد يتخذ شكل «ضربات جوية وصاروخية مكثفة على أهداف إيرانية في ساحلها الخليجي وفي داخل أراضيها لردعها عن التصعيد ودفعها إلى الخضوع للشروط الأميركية»، وبالمقابل يؤكد ميخائيل حنا أحد الخبراء الأميركيين في الشرق الأوسط في «مؤسسة القرن» الأميركية أن «هذه الضربات الأميركية ستمتصها إيران ولن تستسلم بل ستكثف تصعيدها لضرب أهداف عسكرية أميركية وأهداف لحلفاء أميركا الذين يشاركون معها بالحرب».
ومن المؤكد أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تدرك هذه المعادلة التي تعتمد عليها إدارة ترامب في شن الحروب في الخليج بغض النظر عن تحقيق الانتصار الأميركي فيها أو عدم الانتصار طالما أنها ستكون حرباً مدمرة في معظم ساحاتها في الخليج وستتيح لواشنطن بغض النظر عن نتائجها أن تسلب بواسطتها أموال النفط وثمن السلاح وإعادة الإعمار. ولهذا السبب تبذل القيادة الإيرانية والروسية جهوداً مكثفة لإقناع دول الخليج العربية بعدم الانجرار إلى أي حرب أميركية ضد إيران وبعدم التعاون مع أي عدوان على إيران في الخليج لأنها هي، أي دول الخليج، ستدفع ثمن الحرب من البداية إلى النهاية.
ثم ألا تلاحظ دول الخليج العربية المتحالفة مع الولايات المتحدة أن دولاً أوروبية مهمة لم تعد ترغب بالسير وراء سياسة ترامب لأنها أدركت أن الحروب التي يدعو إلى شنها لا تغير شيئاً بقدر ما تدمر، وتكلف الدولة المستهدفة والدول المشاركة في الحرب بدفع نفقاتها لمصلحة الولايات المتحدة حتى لو استمرت دون تحقيق الأهداف المعلنة.
فالحرب على الإرهاب التي شنتها إدارة بوش الابن على أفغانستان وما نتج عنها من تدمير ومذابح للمدنيين توسعت ساحات الحروب فيها لتشمل العراق ثم سورية وليبيا واليمن ولم تتوقف لأن من يدفع فاتورتها هو الدول النفطية العربية لمصلحة الولايات المتحدة أكبر إمبراطوريات تجارة الحروب والقتل والدمار في تاريخ البشرية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن