من دفتر الوطن

.. وما زال في العمر بقايا حلم

| عصام داري

اليوم مخصص للحلم، نعم بقي في العمر بقية لأحلام رافقتنا على مر الأعوام، أستعين أحياناً ببعض من حروفي وأحلامي الضائعة منها، التي عشت فصولها، لكنني أحاول صنع أحلامي الجديدة، فربما أنجح اليوم فيما فشلت به بالأمس.
أحلى اللحظات التي أعيشها تلك التي ألجأ فيها إلى الحلم، فأتوجه مباشرة نحو الأبجدية، أستجديها أن تجود عليّ بكليمات معدودات أنسجها من خيوط النور، ووريقات الزهور، هي لحظات أشعر فيها أنني في حالة خدر وسحر ومتعة، وخاصة عندما أصطاد كلمة أو عبارة تصلح عروة جميلة في نسيجي الروحاني والخيالي.
الحلم يساوي عمراً جديداً يبعدنا عن واقع صار أصعب من الصعوبة ذاتها، زمن غدر بنا وتنكر لسنوات مهدورة على ناصية الحياة، فصارت تلك السنوات مجرد صورة شاحبة يعلوها السواد والغبار!
مع الأبجدية الساحرة نسافر لمسافات شاسعة من دون أن نغادر مكاننا، الحلم يحملنا إلى كوكب بعيد أسميه كوكب الحب، سكانه لا يتقنون إلا الحب والمحبة، قاموسهم لا يحتوي على كلمات البغضاء والكراهية والأحقاد والقتل، ولا يعرفون اغتيال الجسد والروح، ولا سحق الأزاهير وقتل العصافير، الحلم يحملني إلى هناك هرباً من توحش من يظنون أنهم من فصيلة البشر.
الحلم الجميل ممنوع في أرض الكوابيس المرعبة، وفي زمن التوحش والغربان والغيلان، لكننا سنبحر في أحلامنا إلى آخر مدى، نعرف أننا لن نبلغ يوماً كوكب الحب الذي تخيلناه ونتوق إليه، لكننا سنعيش الحب الذي نصنعه لنا وللآخرين، رغماً عن الزمن الغادر والحظ العاثر.
أكتب عن الفرح دائماً، أكتب عن الخير والعدالة الاجتماعية والسلام، لكنني أصطدم بعقول أكثر تحجراً من قلب الصوان، مع ذلك، أرسم بالكلمات لوحات حب للحياة وللإنسان، فتنبع من أوراقي أنهار من ماء وعطور ويتحول حبري إلى مزيج من ذهب مسال ورحيق الأزاهير. وأنسج من أبجديتي وشاحاً مرصعاً بالجواهر والأحجار الكريمة مرشوشاً بعطر وردتنا الشامية والزنبق البلدي.
منذ البداية قلت إن اليوم مخصص للحلم، وسأكسر، ولو ليوم واحد، كل القواعد السابقة التي تحكمني بواقعنا القاسي كي أفسح المجال أمام فسحة أمل غيبها ظلم حاصرنا من الجهات كافة، وكاد يقطع عنا الماء والهواء، وقل فيها النقاء.
أعرف أني أقوم بعزف منفرد على وتر التفاؤل، لكنني لن أغير نغماتي على الرغم من الحزن الساكن في النفوس والأرواح ورغم الموت المتربص بنا جميعاً وينتظرنا على مفارق الطرق، في الشوارع والساحات والمتاجر والمسارح، وحتى في أسرتنا وداخل مخادعنا.
العالم واسع والخيارات كثيرة والحب أسهل من صنع الكراهية والبغضاء، ودرب المحبة معبّد بالأحاسيس والمشاعر الإنسانية الخلاّقة،. بعكس زواريب الحقد المزروعة بالأشواك والحجارة والألغام.
وعلى الرغم من كل الأشواك المزروعة في دروبنا التي كانت تقودنا إلى فردوس جميل على الأرض، لن يدخل اليأس إلى القلوب المؤمنة بقدرتنا على صنع المعجزات وهزيمة الحزن وتجار الدمار والدماء، ونثق بقدرتنا على تحقيق الفوز في معارك الحياة.
اليوم للحلم، ومازال في العمر بقية لبقايا حلم عابر، قبل أن نعاود الحرب على كل ما هو فاسد وقاس وظالم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن