ثقافة وفن

مثال جدير بالتقدير

| د. اسكندر لوقــا

تتملك أحدنا، أحياناً، نزعة الانتماء إلى الذات لا لسواها، وذلك في مناسبة نجاح بتفوق في مجال من المجالات الثقافية أو العلمية وسوى ذلك. وبالتالي يكون، عملياً، قد تنكر لمن كان له دور في نجاحه كما في تفوقه.
تذكرني هذه المعادلة بأمسية ثقافية قدم فيها عريف الأمسية المحاضرة بأنها، فضلاً عن نجاحها بتفوق ونيلها الجوائز المتعددة جراء نتاجها الأدبي من مؤسسات ثقافية معروفة داخل الوطن وخارجه، قائلاً بأنها ابنة «وذكر اسم الأب الذي كان جالساً بين الحضور في المقاعد الخلفية من الصالة مضيفاً إنه يعمل في مطعم الحي الذي يسكنه».
ولم تفوت الابنة الفرصة كي يخفت تأثيرها على الحضور، فهبت على الفور واقفة على قدميها لتحيي أباها. وبصوت الواثق من نفسه قالت: أنا مدينة لوالدي الذي بذل كل ما في وسعه لتربيتي وتعليمي بعد وفاة والدتي رحمها اللـه وأنا في التاسعة من عمري. وتابعت: إن أبي أهم مصدر فخر لي الآن وسيبقى كذلك ما دمت على قيد الحياة.
وكما هو متوقع فقد حيا الحضور جميعاً، وبالتصفيق الحار، كلاً من الأب وابنته معاً.
إن انتماء الإنسان إلى ذويه، بغض النظر عن مستوى ثقافته أو ثروته التي يمتلكها هو نوع من قوة شخصيته فضلا عن ثقته بنفسه.
هذه الظاهرة، قد تكون فريدة من نوعها في الوقت الحاضر، وهي إن دلت على شيء فهي تدل على التصالح مع الذات، وفي هذه الحالة يعطي صاحبها الآخرين حقهم وما يستحقون من التقدير أولياء كانوا أم أقرباء أو مدرسين أو أصدقاء أو مجرد معارف عاديين وسوى ذلك.
وفي العالم، كما قرأنا ونقرأ في كتب التاريخ والإعلام، أسر لا عد لها ولا حصر سبق أن ولد فيها طفل كان مؤهلاً لتحقيق النجاح في حياته لأسباب منها ما يتعلق بالجينات ومنها ما يكتسب عبر الخبرة والتجربة، ومع ذلك بقى للأبوين أو لأحدهما في بعض الحالات، دوره المؤثر في تنمية مواهب أبنائهما دعما لدور الجينات والخبرات والوراثة وما إلى ذلك. وكم من العظماء في تاريخ البشرية عاشوا في أحضان أسر كانت فقيرة وحتى معوزة ومع ذلك استطاعوا أن يتخطوا العقبات التي كادت أن تحول بينهم وحتى بين متابعة حياتهم العادية، ومع ذلك دخلوا تاريخ البشرية من أوسع أبوابه.
هكذا هي الحياة، فيها ما يصدق وما لا يصدق. ولكن تبقى الأمثلة الحية خير مثال على قدرة الإنسان على قهر المعوقات التي تصادفه في حياته وينجح بجدارة في تخطيها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن