ثقافة وفن

أرسم وفق المبدأ: ليس الفن فكرة بل هو عمل … ماجد الصابوني لـ«الوطـن»: يجب أن تبقى اللوحة بسيطة وألا نحمّلها مضامين اجتماعية أو سياسية

| سوسن صيداوي

«كان يحترق أمام اللوحة ويبتسم ابتسامة الطفل وكان يبدو لي عميقا في بحثه كيف يتحرك الشكل مجردا من أكثر المناخات، وثبت بعناد وتصميم أمام مضايقات الأشكال التجريدية، وأتى بالجديد كمادة نفسية ذات قيم تشكيلية صحيحة». بهذه الكلمات عبر الفنان التشكيلي د. محمد فاتح المدرس عن إبداع الفنان التشكيلي ماجد الصابوني الأخير- وكما يقول عنه المدرس- الذي يبتسم أمام الصعب ولا يبتسم لأعماله كثيرا. في هذه الفترة يعود إلينا عبر تجاربه بأعمال تُنسب لمراحل عدة من حياته، ليكون في الماضي والحالي، حاضراً بتكوينات متنوعة وتلقائية، معتمدا تارة على الخط كقيمة تشكيلية أو على التناغم ما بين التكوينات والخطوط سواء أكانت مشكلة للوحات التجريدية أو للأعمال التي تحكي عن الطبيعة، في لوحات متفاوتة الأحجام احتضنها المركز الوطني للفنون البصرية بدمشق.

كلمة المركز
حدثنا رئيس مجلس الإدارة في المركز الوطني للفنون البصرية د. غياث الأخرس عن تجربة الفنان ماجد الصابوني الممتدة في قِدم السنين والمتنوعة بإبداعها والمنتسبة لعدة مدارس، قائلا»كم هو غريب ولافت للنظر بين أعقد لوحة تكوينا وتلوينا، حتى أصغر لوحة(مونوتيب)تحمل الانتقال من تراكم الأشكال إلى روحانية الفضاء. وأحب أن أشير هنا إلى نقطة هامة أن التعامل مع اللون الأزرق غالبا يكون صعبا كونه لا يتعايش مع أي لون آخر، ولكن(ماجد)عرف دائماً كيف يوازنه بلمسات لونية منسجمة بالكاد تُظهر نفسها. كما وأضيف بأننا في أعماله لا نبحث عن الموضوع والشكل واللون والمعجون هو اللوحة، والموضوع بآن واحد.
في جميع مراحل عمله التشكيلي استطاع أن يحمل خاصة مميزة به، في الحداثة المتزنة والمكونة بقوة والمنسجمة بالألوان. والأهم بأن روح مدينته حماة باقٍ من خلال الوعي بحضورها القوي».

كلمة الفنان
في بداية حديثنا مع الفنان التشكيلي ماجد الصابوني أخبرنا عن أسر اللوحة لأفكاره ومشاعره، وبأنه لا يخطط لأي شيء بل يترك المساحات والتكوينات والشخوص مع الألوان لتفعل فعلها في تكوين إبداعه وتجسيد خيالاته:»إنّ اللوحة تسيطر عليّ تماما، باستثناء الحالة التي أقوم خلالها بدراسة أكاديمية للعمل، فهنا أضع أشكالا محددة، وأكون قادرا ومتمكنا من تخيّل شكل اللوحة، ولكن عندما أرسم بالشكل الحر في الأسلوب التجريدي، في هذا المكان أنا لا أتخيل كيف ستكون نهاية اللوحة أو الشكل الذي ستأخذه، فمثلا أبدأ مستخدما مجموعة من الألوان ومن ثم أغيّرها لعدة مرات لأجد نفسي قد اخترت مجموعة ألوان أخرى، ويصادفني أثناء الإنجاز ما يتوافق مع المقولة التالية: (ليس الفن فكرة بل هو عمل)، فالمقصود به بأن اللوحات لا تأتي كما يكون مقررا في بالي، فالأمور متتابعة سواء في المساحات أو الألوان وحتى في التكوينات، أو بالانفعالات والإحساسات، كلّها تأتي أثناء العمل».
و للفنان التشكيلي رأي حول بساطة اللوحة كان صرح به لـ«الوطن» قائلاً: عند النظر إلى اللوحة يجب ألا نحمّلها أكثر مما تحتمل، فإذا كانت الألوان منسجمة والمساحات متوازنة فهذا يعني بأن العمل جيد، ولكن إذا تحمّلت اللوحة الكثير من المضامين سواء الاجتماعية أو السياسية، فهذا يعني بأنني لا أنجز لوحة، لأنني في الحالات السابقة أجد الكلمة أعمق وأبلغ في التعبير عن اللوحة، والشعر يمنحني هذا العمق، وهذه الإمكانية، إذا برأيي أن فن التصوير أي الرسم لا يُعبَر عنه بالفكر كونه فناً مُشاهداً، وعند رؤيته يجب أن يصل المتلقي إلى الدهشة والإعجاب، وخصوصاً أن الأمر الأخير يصل للجمهور بشكل مباشر».
أما عن الأسلوب الذي يتبعه ماجد الصابوني خلال مسيرته الفنية، فأشار بأنه مُطلِع على الفن الحديث بكل مدارسه، كما أنه لا يعتمد مدرسة معنية أو مذهبا بحد ذاته، فهو يرسم ما يناسبه كونه نابع من داخله»فالأسلوب يأتي من العمق ولا يجب على الفنان أن يبحث عن المدرسة التي عليه اتباعها، فأنا أرسم اللوحة، الأخيرة التي لا تنتهي، إلا عندما أشعر بأنني أنجزت حقا ما يعبر عن دواخلي».
أما عن الأثر البالغ للنفوس من الأزمة السورية يوضح فناننا بأنه تأثر بما حصل بسورية من مُصاب مثله مثل أي مواطن سوري، وانعكس الأمر على اللوحات التي جسّد فيها شخوصا هائمة وضائعة في مسيرها تحت سماء سوداء، ولكن ما تم عرضه من لوحات يعود إلى مراحل عدة في حياة الفنان، ولم يتم اختيار أي واحدة من تلك، موضحاً بأن الأمر يعود إلى حُسن تقدير المركز الوطني للفنون البصرية في الاختيار في تقديم ما يناسب الجمهور»للأمانة كنت عرضت عدداً من هذه اللوحات في معارض جماعية سابقة، ولكنها لم تلق الإعجاب، ربما المشاهد أصبح يتجه إلى الألوان الزاهية والدافئة ويبتعد عن الرماديات، وما تم عرضه كما ذكرت ليس من لوحات الأزمة، بل وتم العرض لأعمال- والمركز الوطني مشكور-تعود للعديد من المراحل وعرض أعمال اختيرت من أصل خمس وسبعين لوحة».
وعن طموحات فناننا ماجد الصابوني والبالغ من العمر خمسة وسبعين عاماً، عبّر عن لهفته وأمله الكبيرين باقتناء مرسم واسع المساحة، كونه ينجز أعماله في مرسمه الحالي الضيق، والذي لا يمنحه أي شعور بالحرية أو الراحة، بل يبقى محكوما بالمساحة التي تقيّد رباح لوحاته «أنا أعتبر أن ما يقدمه الفنان التشكيلي السوري من لوحات هو إنجاز بحد ذاته، وخاصة أنه محصور دائماً بغرفة ضيقة، أتمنى أن تتحسن الأمور المادية كي نحقق كلنا هذه الرغبة».
وفي ختام حديثنا أكد الصابوني بأن المشهد الثقافي تغيّر كثيراً عن الماضي وانعكس الأمر سلبا حتى على الحركة التشكيلية «نحن بدأنا عملنا التشكيلي في حماة وكنا نعرض اللوحات في المدارس، وقتها كان الناس والزوار يأتون بأعداد تفوق الحضور الحالي، وهم من الفئات الشابة، أما في الوقت الحالي لا يوجد متابعة وخاصة من الجمهور غير المختص، وبرأيي أن هذا مردّه لسببين: الأول الاهتمام بتحصيل لقمة العيش، والثاني:تراجع الثقافة وانتشار المفاهيم المغلوطة لشهرة الفنانين الصاعدة دون أسس منطقية أو ركيزة فنية متينة، هذا عدا التكرار الواضح في أسلوب الفنانين وانغلاقهم ضمن دائرة مُحكمة. وهنا أختم بتوجيهي رسالة للفنانين التشكيليين الشباب وأدعوهم بأن يواصلوا البحث، وأن يستمروا به لتنويع أعمالهم الفنية، ويجتهدوا كي يقدموا دائماً ما هو مبدع وحديث وليس فيه أي تكرار».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن