قضايا وآراء

بريطاني آخر متآمر على أمتنا

| د. يوسف جاد الحق

رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون، بريطاني آخر في سلسلة ساسة بريطانيا صانعي إسرائيل، يطفو على السطح، كما تطفو بقعة نفط فوق سطح مياه بحر هنا أو هناك.
هذا الرجل هو وزير خارجية بريطانيا في حكومة رئيسة وزراء بريطانيا السابقة تيريزا ماي الذي استبدل قبيل سقوط وزارتها مؤخراً بوزير خارجية آخر، لأسباب بينهما ليس هذا مكان الخوض فيها.
لم يُعرف جونسون هذا في فترة ممارسة عمله الوزاري بغير النزق والخفة والطيش التي يبدو أنها المؤهلات المطلوبة عندهم، كما هي الحال مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الولايات المتحدة الأميركية، إذ لا يملك الرجل غيرها.
عُرف جونسون بولائه لأميركا، ورضاه عن تبعية بريطانيا لها في السياسة الدولية، كما عُرف بولائه المطلق للصهاينة الممثلين باليهودية العالمية، وحماسه لإسرائيل أكثر من الإسرائيليين أنفسهم. وهو يخلف اليوم تيريزا ماي في رئاسة حزب المحافظين، كما يخلفها في رئاسة الوزارة البريطانية الجديدة، وفي سياستها المعادية للعرب، ولقد وصفه بعض كتاب بريطانيا بأنه النسخة البريطانية لترامب، وهذا أيضاً هو رأي رئيس حزب العمال البريطاني جيمي كوربن فيه.
فيما يتعلق بقضيتنا الفلسطينية خاصةً، وقضايانا العربية عامة، لن يكون الرجل إلا خلفاً لسابقيه من السلف غير الصالح لساسة بريطانيا، الذين أوقعوا بنا ما لا سبيل إلى وصفه من الأذى والخراب والدمار والانقسام والتخلف على مدى يزيد على قرن من الزمان حتى الآن.
لقد تخصص ساسة بريطانيا أولئك منذ أواخر القرن التاسع عشر في حياكة المؤامرات لبلادنا العربية وشعوبها، ضلوعاً مع أقطاب اليهودية العالمية، بدءاً من صاحب نظرية فصل عرب المشرق عن عرب المغرب كامبل بنرمان، بإيجاد كيان لعنصر غريب في الوسط، فلسطين تحديداً، يحول دون تحقيق اتحاد يقوم بين عموم العرب جغرافياً وسياسياً واجتماعياً، كيما يحول هذا الكيان الهجين بينهم وبين تمكنهم من إزالة ذلك العنصر الطارئ عليهم في يوم من الأيام في المستقبل ليواصل مهمته التي أوجد من أجلها، ثم أعقب بنرمان آخرون ساروا على النهج العدائي لأمتنا نفسه.
الجناية الكبرى، غير المسبوقة، أقدم عليها وزير خارجية بريطانيا آرثر بلفور إذ كان أول من جعل من اليهود قومية عندما وعدهم بمنحهم وطناً قومياً في فلسطين، وعندما تصبح تحت أيديهم بالاحتلال ثم الانتداب البريطاني الذي منحته عصبة الأمم المتواطئة معهم بريطانيا.
كما كان لمارك سايكس الإنكليزي شريك فرنسوا بيكو الفرنسي في تجزئة بلادنا، وبقية القصة معروفة، نعيشها بأوضارها وبلاياها وعقابيلها حتى يومنا هذا، أما عن مكماهون ورسائله الخادعة الكاذبة التي احتال بها على الشريف حسين بوعده منح العرب استقلالاً وحكماً موحداً نافذاً إذا ما ساعدوا بريطانيا في حربها مع حلفائها ضد الدولة العثمانية، التي كانت تحكم المنطقة يومئذ، لكنها كانت على حال من الضعف المقترن بالغطرسة والممارسات العنصرية، حيث أسموها يومئذ دولة «الرجل المريض»! ولكن مكماهون، كعادة البريطانيين، نكث الوعد وكانت نهاية الشريف حسين الموت منفياً في قبرص.
أما ونستون تشرشل رئيس وزرائهم في الحرب العالمية الثانية، ووزير المستعمرات قبل ذلك فقد كان يصرح متفاخراً بأنه الصهيوني الأول في أوروبا، كنصير لليهود عامل على تمكينهم من فلسطين وفق وعد بلفور.
ثم لا ننسى دور أنتوني إيدن شريك فرنسا وإسرائيل عام 1956 فيما عرف بالعدوان الثلاثي على مصر عبد الناصر، كما لا تفوتنا الإشارة إلى دور وزير خارجية بريطانيا أرنست بيفن، وهو من قام بتسليم اليهود فلسطين في الخامس من أيار عام 1948 بعد أن أعلن عن انسحاب القوات البريطانية من فلسطين والتخلي عن الانتداب عليها، إثر اتخاذ هيئة الأمم المتحدة قرار التقسيم الظالم في التاسع والعشرين من تشرين الثاني عام 1947.
أعقب هؤلاء ساسة من البريطانيين لم يكن أيّ منهم أقل أذى لأمتنا وانحيازاً لعدونا التاريخي. على رأس هؤلاء رئيسا وزراء بريطانيا سابقاً مرجريت تاتشر وأنتوني بلير، عراب الحرب الأميركية على العراق مع الرئيس الأميركي السابق جورج بوش وعصابته ممن عرفوا بالمحافظين الجدد وجلهم يهود وصهاينة معروفون.
وآخر العنقود كانت تيريزا ماي التي سقطت وزارتها مؤخراً، وقد كانت نصيراً للكيان الصهيوني بما لا يقل عن سابقيها القدامى والمحدثين. يكفي أن نذكر لها تصريحها في مناسبة ذكرى قيام إسرائيل هذا العام بأنها سعيدة بافتخارها بأن بريطانيا هي من أوجد لليهود دولة في هذه المنطقة من العالم.
هذه جميعاً إجراءات وممارسات ومناورات ومؤامرات بريطانية مئة بالمئة، كان من شأنها ما تعيشه المنطقة كلها اليوم نتيجة لإيجادهم الكيان الصهيوني العنصري في ديارنا.
بريطانيا عميدة الاستعمار في الزمن الغابر، يوم كانت مستعمراتها في آسيا وإفريقية لا تغيب عنها الشمس، ما برحت تناصبنا العداء السافر، عاملة على الكيد لنا والمزيد من التآمر، ما وسعها ذلك.
ترى ما الذي ينتظر من بوريس جونسون هذا الرئيس الجديد للوزارة البريطانية لزمن لا يدري أحد مداه؟
لن ينتظر من جونسون أكثر أو أقل مما حاق بأمتنا على أيدي أسلافه، ولاسيما أن الرجل يأتي في الوقت الذي يحكم فيه أميركا رجل مثل ترامب، بل إنه ليخيل إلي أن منافسة شديدة بين الرجلين وشيكة، على أيهما سوف يقدم لإسرائيل أكثر من الآخر دعماً وانحيازاً على سائر الصعد.
وها هو في باكورة عمله في منصبه العتيد، يعلن عن لقاء له مع ترامب من أجل البحث في العلاقة مع إيران، وعلى أي وجه تكون. ونحن لا نجافي الحقيقة إذ نقول إن كلا الرجلين سوف يتلقى التوجيهات النتنياهوية التحريضية الداعية إلى الحرب على إيران من أجل إسرائيل.
وأخيراً: بوريس جونسون يتملكه الحنين إلى ماضي الإمبراطورية البريطانية قبل أفول نجمها، فإيران وتحالف المقاومة سوف يكونون محل خصومة وعداوة مع ترامب وإسرائيل، غير أن الخذلان والخيبة والهزيمة في انتظارهم جميعاً، فأوهام القوة التي تعتريهم ليست اليوم بأكثر من أحلام يقظة خادعة كسراب يحسبونه ماء، وقادم الأيام سوف يؤكد هذه الحقيقة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن