ثقافة وفن

«مؤسسة تاريخ دمشق» وأمسية دمشقية بوثائق نادرة … سامي مبيض لـ «الوطن»: قدمنا مجموعة أفلام تمثل هدفاً من أهداف وجود المؤسسة

| سارة سلامة- تصوير: طارق السعدوني

نظمت مؤسسة تاريخ دمشق أمسية دمشقية حملت روح التاريخ الحديث في عرض مصور نادر للحقبة الزمنية بين عامي 1918 إلى 1970، وذلك في متحف دمشق الوطني بحضور لم يخل من كل مهتم بشؤون المدينة في المجال السياسي والفني والدبلوماسي، حيث افتتح رئيس مجلس أمناء المؤسسة الدكتور سامي مبيض الأمسية بهذه الكلمات: «لكل من اشتاق إلى دمشق الحضارة ودمشق الجمال نقدم هذا المخزون الذي سيعيدنا إلى دمشق أيام زمان عبر مجموعة من الأفلام الوثائقية التي حصلنا عليها أقدمها يعود إلى نهاية الحرب العالمية الأولى، لأن الحفاظ على أرشيف مدينة دمشق المرئي والمصور والمكتوب هو من الأهداف الأساسية التي أقيمت عليها المؤسسة منذ قرابة السنتين، يومها قررنا العودة إلى تجربة الأجداد وذلك الجيل من السوريين الذين شاركوا في تأسيس هذا المكان (متحف دمشق الوطني) وهو الأقدم والأعرق والأجمل والأغنى بين متاحف الشرق الأوسط يومها لم يكن هناك أي مديرية للآثار والمتاحف في دمشق بل شعبة للآثار في وزارة المعارف خصصت لها غرف صغيرة في المدرسة العادلية وقام أهالي دمشق وأهالي سورية بالتبرع لها بما لديهم من وثائق وصور ومخطوطات ونواة مكتبة المتحف الوطني وعندما ضاق بهم المكان تبرعت مديرية أوقاف دمشق بقطعة أرض بمرج دمشق الأخضر كما كانت تعرف تلك المنطقة وفتحت أبواب هذا المتحف عام 1936 ولم تغلق حتى بداية الحرب الأخيرة على سورية منذ ثماني سنوات، حاولنا إعادة هذه التجربة واتصلنا بالعائلات السورية ففتحوا لنا أبوابهم وقلوبهم وصناديقهم العتيقة وقدموا لنا الوثائق والمستندات والأوراق».

عرض وثائقي نادر

وأكد الدكتور سامي مبيض في تصريح خاص لـ«الوطن» أننا: «قدمنا مجموعة أفلام وثائقية نادرة، استطعنا جمعها، كجزء من الأهداف التي جئنا من أجلها، وارتأينا قبل رفعها وتوثيقها على موقع «اليويتوب» تقديم عرض علني عنها، وقمنا بفرزها وفصل المهم عن الأقل أهمية، وعرّفنا عن الشخصيات الموجودة من خلال التعليق، وجمعناها في فيلم يختصر أفضل المشاهد من سنة 1918 إلى سنة 1970، ودعونا نخبة من المهتمين والمحبين لمدينة دمشق، وخاصة الناس الذين كانت المدينة تشكل جزءاً من ذاكرتهم، أو كانوا شاهدين على التاريخ أو مشاركين في صناعته، وهذا ما جعل الحلقة تتوسع ويكثر عدد الأصدقاء، حيث كنا في البداية 50 شخصاً واليوم وصلنا إلى 200 ونسعى لتوسيع الحلقة وإشراك عدد أكبر من الشباب في هذه النشاطات».
وعن ندرة هذه الفيديوهات بين المبيض أن: «90 بالمئة من الفيديوهات غير موجودة على موقع «اليوتيوب»، و10 بالمئة منها مأخوذة من اليوتيوب بهدف إكمال المشهد من الألف إلى الياء، (فمشاهد الوحدة هي حكماً ليست حصرية) وموجودة بمكتبة جمال عبد الناصر، ووجدت لتعبئة الفراغ الذي كان سيبدو واضحاً لو قفزنا فوق الأعوام».
أما عن الهدف من الإعلان عن مؤسسة تاريخ دمشق وليس سورية فقال المبيض: «لكل مدينة خبراؤها وناسها ومرجعياتها، لذلك نعتبر متطاولين على حلب إذا بحثنا بتاريخها، فهناك ناس أقدر منا بكثير للكتابة عن حلب أو دير الزور أو حمص ونأمل في قادم الأيام رؤية مشاريع مماثلة في كل المحافظات».

محطات سورية
بينما قال قاسم الشاغوري عضو في مجلس أمناء المؤسسة: إننا «قدمنا محطات عن تاريخ سورية الحديث، هي مجموعة فيديوهات نادرة، لم يرها أحد تغطي مواضيع سياسية وشكل الحياة السياسية والاقتصادية داخل مدينة دمشق ومعرض دمشق الدولي، مع التعليق عليها. بهدف إعادة استذكار هذه المشاهد الموجودة بذاكرة ووجدان الكثيرين، وحاولنا تغطية كل الأحداث المهمة التي أتت بتاريخ سورية حسب ما توافر لنا من أرشيف».

إحياء المدينة
وبين الفنان جلال شموط وهو عضو في مجلس أمناء المؤسسة أن: «الفعالية تحمل شكلاً من أشكال إعادة إحياء المدينة ويعتبر ذلك جزءاً من نشاطات المؤسسة، وهو جزء مهم لأن هدفها ليس التاريخ بالمعنى الجامد للكلمة إنما أي وثائق لها علاقة بالصوت والصورة وأيضاً المادة المكتوبة لنعيد بذلك هيكلة الحياة مجدداً».

علاقة وجدانية
وبدوره قال المخرج سامر برقاوي: إنه «ومن خلال علاقتي مع هذه المدينة أرى أن الوثائق التي عرضت جديدة، وتربطني بها علاقة وجدانية لأنها مدينتي، وأحاول الإلمام بأي شأن يخص دمشق قدر المستطاع، وأشكر القائمين على هذا الجهد التوثيقي، الذي اعتقد أنه سيكون وثيقة للأجيال القادمة، من خلال تلك الإنارات الحديثة تجاه بناء المدينة وتكوينها الذي ينطلق من تاريخها».

مراحل متتالية
وفي عرض متتال عُرض الفيلم وبتعليق من الدكتور المبيض بأجواء حميمية تحمل الكثير من مشاعر العنفوان والعاطفة إلى تلك الحقبة الزمنية وما حملته من مواقف عز وفخار وفي إيجاز سنمر بأبرز المراحل التي تخللها الفيلم ومنها:
وجود القوات العربية والقوات الاسترالية والبريطانية في ساحة المرجة وعلى ضفاف نهر بردى وهو الأقدم بين المجموعة. والمشهد على مدخل فندق فكتوريا دخول الملك فيصل بن الحسين والجنرال اللمبي والقوات النمساوية في ساحة المرجة وهي أول قوات غربية وصلت إلى مشارف دمشق عام 1918، وبعد مرور 5 سنوات من الاحتلال الفرنسي مشاهد عامة من المدينة، وأيضاً تم عرض مهنة السقا وهي من أقدم المهن في المدينة، وخان أسعد باشا الذي كان مخزناً للحبوب وكانت تسعر بورصة الحبوب بمدينة دمشق داخل الخان. وعرض لحي الميدان خارج أسوار دمشق القديمة، ووجود الأمير سعيد الجزائري حفيد القائد عبد القادر الجزائري الذي نصب نفسه حاكماً على مدينة دمشق مدة أربعة أيام عام 1918م، وهو فيلم نادر جداً له ولأسرته في قصر العائلة بالعمارة بما يعرف «زقاق النقيب». ومأدبة غداء في منزل الأمير سعيد الذي ما زال قائماً لليوم وفيه مؤسسة الأمير عبد القادر الجزائري الثقافية.
وعرض للاحتفالات التي كانت تشهدها دمشق بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك وندرة الفيلم أنه أتى صوتاً وصورة، وخاصة أن تقنية الصوت والصورة لم تكن موجودة حيث كانوا يسجلون الصوت ويصورون الصورة ويطبقون الصورة على الصوت. وهي من الاحتفالات بفترة الشيخ تاج الدين الحسني نراه متحركاً للمرة الأولى على الشاشة.
ونسمع على أبواب السرايا صوت العامة والناس. وتسجيل صوت الترامواي الشهير الذي ألغته محافظة دمشق بفترة الانفصال، ونشاهد صور البسطاء والباعة وعامة الناس، ووجهاء المدينة وصغار الكسبة وأهالي الأسواق ورواد المقاهي.
والقوات الفرنسية والمعارك التي حصلت بين الجنرال ديغول المحسوبة على بريطانيا والقوات الهيشية ودخولها إلى دمشق بعد معركة وحرب فرنسية على الأرض السورية.
وبعدها الانتخابات التي كانت نقلة نوعية في سورية والتي أدت إلى فوز الكتلة الوطنية بعد وفاة الشيخ تاج الدين الحسني بمطلع عام 1943.
ومشاهد من منزل توفيق القباني والد الشاعر نزار القباني أحد أكبر داعمي الكتلة الوطنية بانتخابات عام 1943، والعدوان في 29 أيار 1945، والرواية بصوت الزعيم فخري البارودي سنة 1961 يتحدث فيها إلى التلفزيون السوري.
ونهاية مرحلة الاحتلال الفرنسي، فارس بك الخوري بالأمم المتحدة. وصوت أديب الشيشكلي وهو أول من استخدم المذياع ليصل صوته إلى كل بيت سوري.
آذار 1954 التظاهرات التي خرجت لتسقط أديب الشيشكلي وعمت المدن السورية كافة بكاميرا جورج درزي أحد أبرز مصوري دمشق، وعودة الرئيس هاشم الأتاسي المنتخب دستورياً إلى الحكم آنذاك، ليكمل ولايته الدستورية. أشهر انتخابات نيابية في مرحلة ما قبل الوحدة هي الانتخابات التي بينت أن الشارع السوري يجنح إلى اليسار وأوصلت خالد بكداش كأول شيوعي في المنطقة العربية كلها.
وأيضاً صور من أمام مدرسة التجهيز والقلم الانتخابي للحزب القومي السوري الاجتماعي للأمين عصام. وعرض مباراة بكرة القدم بين سورية ومصر.
والفيضانات في دمشق كانت تسمى زودة بردى وتطوف المدينة، شكري القوتلي رئيساً، معرض الذرة من أجل السلام. وبعد نجاح أسبوع التسلح الذي حدث أول مرة بعهد الشيشكلي والمرة الثانية بعهد القوتلي كل السوريين حملوا السلاح وتدربوا على حمله بمساندة مصر في مواجهتها مع الدول الغربية.
المؤتمر النسائي السوري، على مدخل مسرح معرض دمشق الدولي. الرئيس نهرو بطل دول عدم الانحياز في زيارة إلى دمشق، ويوم الوحدة احتشاد شعبي كبير، الفنانون المصريون في قصر الضيافة يصوتون لمصلحة جمال عبد الناصر، «مريم فخر الدين، عبد الحليم حافظ، والصبوحة، وتحية كاريوكا، صبري العسلي..».
الثائر الأممي تشي جيفارا في الجامع الأموي بدمشق، وجنازة فارس الخوري.

رسالة المؤسسة

في السنوات القليلة الماضية تعرضت مدينة دمشق، شأنها شأن كل المدن السورية، إلى تغيرات جسيمة فرضتها الحرب الدائرة في البلاد، أدت إلى تشويه هوية المدينة البصرية والثقافية، وإلى خراب بعض أحيائها القديمة مع انهيار عدد لا يستهان به من القصور والبيوت الأثرية، وإلى ضياع نسبة كبيرة من أرشيف دمشق المادي والورقي نتيجة القدم والإهمال والفساد.
في خريف عام 2016 قررت مؤسسة تاريخ دمشق الانطلاق في مشروعها التوثيقي وهي مؤسسة غير حكومية وغير ربحية، هدفها الحفاظ على ما تبقى من ذاكرة دمشق، عقدت أول اجتماعات المؤسسة في بيت دمشقي صغير في «حارة الورد» بحي سوق ساروجا، أصبح اليوم مركزاً لأعمال المؤسسة، يدار من مجموعة من المتطوعين، من فنيين وتنفيذيين وأعضاء مجلس أمناء ومؤسسين.
لتمارس سعيها الدائم للبحث عن الصور القديمة والأفلام والصوتيات، إضافة للمطبوعات والأوراق الشخصية والمذكرات غير المنشورة والكتب القديمة والمخطوطات والمراسلات الخاصة والرسمية، جميع تلك الكنوز أو ما تبقى منها موجود إما في مستودعات الدوائر الحكومية وإما داخل دور دمشق القديمة في حوزة أهلها، يتناقلونها بالتوارث من جيل إلى آخر.
الكثير من تلك الأوراق والمستندات قد بدأت تتلاشى وتضيع بسبب الإهمال وسوء ظروف الحفظ، وظهر عدد كبير منها في مراكز أبحاث غربية، في باريس ولندن وواشنطن، بعد أن تم تهريبها من سورية خلال السنوات الماضية.
تسعى مؤسسة تاريخ دمشق إلى جمع تلك الأوراق المبعثرة في متحف الكتروني والاحتفاظ بالنسخة الأصلية منها عند الإمكان إلى حين انتهاء الحرب الدائرة في سورية، حيث سيتم عرضها في متحف فعلي يكون تحت تصرف المهتمين والباحثين في التاريخ الدمشقي المعاصر.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن