شؤون محلية

في الإدارة

| نبيل الملاح- باحث ووزير سابق

كثرت في العقود الثلاثة الأخيرة الدعوة إلى تمكين المرأة والشباب لدرجة جعلت الكثير من الذين تجاوزوا سن الشباب يعتقدون (قصراً) أن دورهم قد انتهى وأن الشباب أقدر منهم على تحمل المسؤولية، وساعد على ذلك ظهور الحواسب وانتشارها، بحيث أصبح من يتقن التعامل معها مؤهلاً لموقع إداري مهم.. وأذكر أنني زرت أحد الوزراء وشاهدت على مكتبه جهاز كمبيوتر، فسألته هل تدربت على استخدامه؟ قال لي بحكم الصداقة: لا، لكن لا بد من الظهور بأنني أعرف العمل عليه.
وفي كتابي «تجربتي في الحزب والوزارة» الذي أصدرته في أواخر عام 2004 عبرت عن خشيتي أن تكون هذه الدعوة في سياق تنفيذ المخطط الإستراتيجي للغرب لإضعاف وخلخلة مؤسسات الدولة من خلال تفريغها من رجال الدولة أصحاب الخبرات والتجارب، فالمواقع الإدارية القيادية تحتاج إلى الأشخاص الذين يمتلكون الخبرة والتجربة إضافة إلى العلم والثقافة، وأكدت أنني من المؤمنين بضرورة وجود أجيال متعاقبة في كل مجال من المجالات يتم تأهيلها وإعدادها بالشكل الذي لا يترك فراغاً عند إحالة جيل إلى التقاعد، وبأنني أؤمن أيضاً بأنه لا يجوز إبقاء أي مسؤول في موقعه لفترة زمنية تزيد على ما بين 5-7 سنوات مهما كانت كفاءته وقدراته، ولا يجوز لجيل ما أن يستأثر ويلغي دور الأجيال الأخرى، فالوطن بحاجة إلى جميع أبنائه شيوخاً ورجالاً ونساء وشباباً.
لننظر إلى دول العالم المتقدمة وإلى الدول الساعية إلى التقدم كيف تتعامل مع هذه المسألة بموضوعية وعقلانية بما يؤدي إلى الاستفادة من طاقات الجميع وخبراتهم وفقاً لضوابط وأسس بعيداً من المزاجية والمحسوبيات، وكيف تتعامل مع المسؤولين السابقين وتستفيد من خبراتهم وتجاربهم من خلال وضعهم في مجالس وهيئات استشارية وغير استشارية، وبالطبع لا يدخل ضمن هؤلاء من كان تورط في الفساد أو كان أداؤه ضعيفاً.
وضمن هذا الإطار طالبت برفع سن التقاعد في ضوء ارتفاع متوسط الأعمار الذي يصل في بلدنا إلى 70-75 عاماً، فلا أجد من المعقول إحالة موظف إلى التقاعد وهو في سن الـ60 عاماً وهو في أوج عطائه ونضوجه بحجة تأمين فرص عمل للشباب؟ وأعتقد جازماً أن هذا ليس حلاً، بل هو إهدار لطاقات وخبرات تراكمت عبر سنوات طويلة.
علينا أن ندرك أن البث القوي لشعار «تمكين المرأة والشباب» كان في منطقتنا ودولنا العربية بفهم ومضمون يختلف عن الفهم والمضمون لديهم، فاهتمام الغرب ينصب بشكل أساسي على تعليم الشباب والمرأة وتحفيزهم على الإبداع والاندماج بمراكز البحث العلمي والدراسات العليا، ومن ثم تأمين فرص عمل لهم.
إن حقوق المرأة في التعليم والعمل وحرية الاختيار يجب أن تكون مضمونة ومصونة، فهي حقوق إنسانية لا يجوز المساس بها، فالتعليم ضرورة لكل إنسان كان ذكراً أم أنثى وكذلك الثقافة التي أصبحت في عصرنا هذا ضرورة لمواكبة تطورات العصر ومعطياته، والعمل وإن كان حقاً من حقوق المرأة إلا أنه يجب ألا يكون تقليداً ومظهراً يؤدي إلى الإضرار بمصلحتها من حيث النتيجة وبالتوازن العائلي، وفي كل الأحوال فالاختيار يجب أن يكون لها ومن حقها.
إن الإدارة علم وفن وموهبة، وبالتأكيد ليس كل من يحصل على شهادة علمية عالية يكون مؤهلاً لتسلم موقع قيادي إداري، فالقيادة تتطلب بالضرورة العلم والخبرة و(الكاريزما) التي ترتبط بالموهبة، والخبرة لا تكتسب إلا عبر سنين طويلة وتجارب عملية.
وأختم بالتأكيد على ما طالبت بمقال سابق بضرورة قيام الحكومة بوضع الآليات والأسس اللازمة لمراجعة وتدقيق شهادات الدكتوراه التي تمت معادلتها واعتمادها بعد أن حصل عليها حاملوها بطرق غير مشروعة، ووضع المعايير والشروط الصحيحة لاختيار القيادات الإدارية العليا انطلاقاً من تلازم المؤهل العلمي والخبرة، فالخبرة في مجال الإدارة كالتكنولوجيا بالنسبة للعلم وتطبيقاته.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن