قضايا وآراء

أردوغان وترامب وانهيار المخططات

| تحسين الحلبي

لا أحد يشك بأن علاقات التحالف القائمة والراسخة بين سورية وإيران وروسيا تعد واحدة من الضمانات التي تستند إليها سورية لإخراج القوات التركية من الأراضي السورية مهما طرأ على العلاقات الروسية التركية طالما أن جميع القمم التي عقدها قادة روسيا وإيران مع رئيس النظام التركي رجب أردوغان كانت تنتهي ببيان ثلاثي مشترك يؤكد على وحدة وسلامة الأراضي السورية وسيادتها السياسية المستقلة.
لكن الواقع على الأرض السورية في الشمال ما زال يحمل كل مظاهر انتهاكات أردوغان لسيادة سورية وأراضيها واستمرار دعمه للمجموعات المسلحة في إدلب ومناطق أخرى ضد الجيش السوري إضافة لكافة أشكال انتهاكه للسيادة السورية في مناطق وجود قواته.
وبالمقابل لا أحد يشك أيضاً أن السياسة الروسية تجاه سورية تختلف كلياً عن نظيرتها الأردوغانية فموسكو تتخذ سياسة واضحة ضد تزايد قوة المجموعات الإسلامية المسلحة في شمال سورية بشكل خاص وفي المنطقة بشكل عام لأنها ستشكل خطراً مباشراً على حلفائها وعليها بالذات في المناطق التي يعيش فيها مسلمون من الاتحاد الروسي على حين أن أردوغان يخالف هذه السياسة ويتبنى هذه المجموعات وفكرها وأوهامها.
موسكو تقف ضد أي غزو تركي للأراضي السورية مهما كانت حجته وضد الغزو الأميركي العسكري الذي قامت به واشنطن بحجة دعم قادة أكراد سوريين في شمال شرقي سورية على حين أن أردوغان يعد وجود الوحدات البرية الأميركية التي كشف عن وجودها في بداية عام 2016 قوة احتياطية له على المدى البعيد وبغض النظر عن المظاهر المعلنة لمحاربته لقادة أكراد سورية الذين يتلقون الدعم المباشر من هذه القوات، ففي هذا الموضوع كانت لعبة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما في خطة ربط قادة أكراد في سورية مع واشنطن واضحة بعد أن أعطى أوباما أردوغان ورقة دعم المعارضة السورية والمجموعات الإسلامية ضد سورية فقد فضل أوباما خلق نوع جديد من المجموعات المسلحة في شمال شرقي سورية لتمزيق تلك المنطقة وضرب سلامتها الإقليمية وتفاعل أردوغان مع المهمتين: مهمة تبني كل المجموعات المسلحة التي تستهدف سورية ومهمة الظهور بمظهر الرافض للدعم الأميركي لقادة أكراد في سورية وهو الذي كان في مقدوره بالاستناد إلى تحالفه الوثيق مع واشنطن وأوروبا التهديد بالانسحاب من حلف الأطلسي وتجميد اتفاقاته العسكرية مع الولايات المتحدة في ذلك الوقت إذا ما أصرت على دعم قادة من أكراد سورية يعدهم من الإرهابيين.
من المؤكد أن هذه الصورة لتداخل العلاقات التركية الأميركية تعرفها موسكو جيداً بل تطل على ما هو أوسع منها لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما هي نهاية هذه اللعبة الأميركية الأردوغانية المزدوجة؟ وهل يراهن أردوغان على توجيه عدد من المجموعات المسلحة التي يقدم الدعم لها في إدلب ومناطق أخرى نحو مقاتلة المجموعات المسلحة الكردية التي تدعمها واشنطن إضافة لقتالها ضد الجيش السوري؟
من الواضح أن سياسة أردوغان في شمال سورية لن يكتب لها أي نجاح ضد الأهداف المشتركة التي تجمع أطراف التحالف السوري الروسي الإيراني فميزان القوى الذي يدعم قدراته يوماً تلو آخر من النواحي العسكرية والسياسية كفيل بإحباط كل ما قام به أردوغان حتى الآن في سورية وبالإضافة إلى ذلك بدأت خطته لإحياء مشروعه العثماني الإسلامي في وجه جديد تنهار في ساحة تلو أخرى في المنطقة ولم يبق له من الذين يمكنه الاعتماد عليهم سوى حاكم قطر الذي تستطيع إدارة ترامب توجيه أمر له متى تشاء بإيقاف دعمه مالياً وسياسياً لأردوغان. فالإدارة الأميركية هي التي تعد قواعد اللعبة للدول الحليفة والصديقة لها. وما زال أردوغان لديه هامش مناورة للعب داخل الملعب الأميركي وبعض الدول المتحالفة فيه برغم أنه يقامر داخله ويخسر بعض المصالح دون أن يضمن في الوقت نفسه تحقيق أي مصلحة يتوهمها من مواقفه العدوانية ضد سورية التي تسير بثقة وقوة على طريق تطهير أراضيها من المجموعات الإرهابية في إدلب وجوارها ومن المجموعات المسلحة الأخرى التي تدعمها القوات الأميركية مثلما ستطهر الأراضي السورية من كافة القوات التي غزت سورية أثناء انشغالها بالحرب ضد المجموعات الإرهابية التي أدخلها أوباما وأردوغان من حدود تركيا إلى داخل سورية. فبفضل انتصار الجيش السوري وقواته الرديفة والقوات الحليفة أصبح هامش مناورة أردوغان في أضيق مساحته وستشق التحولات المقبلة التي تعد لها سورية وحلفاؤها طريق إخراج قوات الغزو الأجنبية من سورية فما عاد الزمن يعمل لا لمصلحة أردوغان ولا لمصلحة اللعبة المزدوجة بينه وبين ترامب بعد أن أدركت الإدارة الأميركية في أعقاب التصدي الإيراني للتهديدات بشن حرب أميركية عليها أن أي حرب تخوضها ضد أطراف محور المقاومة ستمنى بالهزيمة وهذا يعني أن كل من يراهن على واشنطن لن يكون بمقدوره تهديد أطراف هذا المحور الصاعد في فرض قواعد اللعبة المضادة للعبة ترامب أردوغان.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن