في الأول من شهر آب من كل عام اعتدنا أن نحتفل بذكرى تأسيس الجيش العربي السوري، والحقيقة أن كثيرين منا اعتادوا أن يحتفلوا بهذه المناسبة بطريقة كلاسيكية تقوم على إلقاء الشعر، وإطلاق العبارات الجميلة والعاطفية، والإشادة بهذه المؤسسة الوطنية التي تألقت تألقاً تعجز الكلمات عن وصفه في ظرف تاريخي حساس ومصيري بالنسبة لبلدنا، والمنطقة بشكل عام.
مناسبة الكلام أن الكثير منا لم يكن يعرف بصراحة حقيقة وجوهر هذه المؤسسة الوطنية العملاقة، وكانت القوى الخارجية المعتدية تراهن بقوة على انهيار الجيش كنقطة البداية لتفتيت سورية وتقسيمها، لأنهم يعرفون حق المعرفة أن الجيش هو القوة الأكثر تنظيماً وانضباطاً ووطنية وانتماء، وهي القوة الوحيدة المؤهلة للتصدي لمشروع التقسيم، ولقوى الإرهاب المعولم الذي أتى كالجراد من كل أصقاع الأرض، ومن كل جنسياتها، وهنا كانت مهمة الجيش معقدة ومركبة، وليست مهمة كلاسيكية في حرب كلاسيكية، بل هي مهمة جديدة وتحدٍّ مختلف عما عرفته الجيوش، فالجيش كان عليه أن ينتقل من نمط تقليدية إلى نمط حرب مركبة، هي الجيل الرابع من الحروب، وتفيد الحقائق والمعلومات أن جيوش دول عظمى هُزمت في مثل هذا النوع من الحروب، فالأميركيون هزموا في العراق، ولم يتحملوا إلا سنوات قليلة، وهم يعانون في أفغانستان ويفاوضون، أما الجيش السوفييتي فقد خرج من أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي بعد خسائر كبيرة نتيجة حرب عصابات مما سُمي «جهاديين»، ولذلك فإن الرهان في بداية هذه الحرب الفاشية على انهيار الجيش العربي السوري كان كبيراً من قبل أعدائنا قياساً بما جرى في تونس أو ليبيا أو مصر، ومن هنا فإن الحرب النفسية الأكثر شراسة تم خوضها ضد مؤسسة الجيش والقائد العام للقوات المسلحة الرئيس بشار الأسد، إذ أن أي مراجعة بسيطة للغة الإعلام المعادي من «الجزيرة» وأخواتها في الخليج أو الغرب، سوف تلحظ المصطلحات التي استخدمت لتحطيم الروح المعنوية للجيش، ومحاولات تفكيكه عبر الترويج لضعاف النفوس والمهزومين من الذين فروا من هذه المؤسسة الوطنية، بما سُمي آنذاك انشقاقات، وعندما فشلت سياسة «الفارين والمهزومين» لجؤوا إلى توجيه الاتهامات الأخرى المذهبية تارة، والطائفية تارة أخرى، واتهامات الشيطنة بقتل الشعب السوري، والمتاجرة بالبعد الإنساني، ومع كل هذه الحرب النفسية الضارية فإن هذه المؤسسة الوطنية أذهلت الأعداء وأذهلتنا بقدرتها الهائلة على الصمود، وبقدرتها الهائلة على التضحية، وعلى الصبر الإستراتيجي الذي أنتج تحريراً واسعاً للأرض السورية، مع إصرار على تحرير ما تبقى من أراض محتلة من قبل قوى الإرهاب وداعميها، وهذا أمر لاشك فيه لدينا جميعاً.
أما أهم الخلاصات التي يجب أن يقرأها شعبنا، وأيضاً أعداؤه فهي التالية:
الجيش العربي السوري جيش عقائدي، أي يمتلك عقيدة عروبية، عقيدة ليست مبنية على أمراض اجتماعية، إنما عقيدة حضارية تقدمية مقاومة وطنية وهي عقيدة عمرها عقود من الزمن عمل عليها القائد المؤسس حافظ الأسد، وأكمل طريقها فكراً وممارسة الرئيس بشار الأسد.
لم يكن أمام جيشنا، كما الأمر بالنسبة لشعبنا وبلدنا، إلا خيار وحيد هو الانتصار، أو ترك مستقبل أبنائنا وأحفادنا بيد القتلة والمجرمين والإرهابيين، وقوى الفاشية العالمية.
علينا أن نعترف أن أصعب مهمة واجهها جيشنا هي إعادة الهيكلة والتأقلم مع نمط الحرب التي يواجهها أي تهيئة القوات للتحرك السريع والرشيق، والانتقال ببيئة الحرب من حرب الشوارع والأزقة إلى حرب الصحارى، والجبال الصعبة التضاريس إلى حرب التلال، والمواقع الإستراتيجية إلى مواجهة حرب الاستخبارات والحرب النفسية.
كان التخطيط لكل معركة مرتبطاً بما ستحققه لاحقاً بمعنى أن تحرير أي منطقة أو قرية سيكون لبعد لاحق في تحرير مناطق ذات أبعاد اقتصادية أو جغرافية أو نفسية وغيره الكثير، وهو ما يعني أن المعارك كانت تجميعاً لنقاط متراكمة لتحقيق تحولات نوعية تنعكس في السياسة، وعلى طاولة التفاوض مع الخصوم والأعداء.
شكل البعد الإنساني عاملاً ضاغطاً بالنسبة لعمل الجيش لأن وجود السكان المدنيين كان يفرمل، أو يُعجل في أي عملية عسكرية خاصة وأن الإرهابيين وداعميهم اتبعوا أسلوب احتجاز المدنيين كرهائن في القرى والمدن، وما جرى في سورية يعتبر أوسع عمليات احتجاز الرهائن في العالم، وهناك نماذج كثيرة يمكن الحديث عنها، وهنا يمكن القول إن الجيش العربي السوري كان وما يزال الأكثر حرصاً على السوريين لأنهم أخوته وأبناؤه، في حين عملت قوى العدوان على استغلال هذا البعد الإنساني للإتجار بالقضية وبعضهم للارتزاق، وكعامل ضغط سياسي وإعلامي.
أما السؤال الأهم الذي يجب أن يُسأل لكل سوري ليفهم أين تقف إسرائيل من كل ما جرى ويجري في سورية؟ وهو: لماذا استهدفت الجماعات الإرهابية منذ بداية الحرب الفاشية محطات الرادار، والمطارات العسكرية، والكليات التقنية، وكل ما يتعلق بالجيش ومنشآته، وكوادره العلمية والفنية والبحثية؟ وما علاقة ذلك بالشعارات التي رُفعت مع بداية الأحداث؟ ومثل هذه العمليات من تخدم بالضبط؟
إذا أجبنا على هذا السؤال سنفهم من هم أولئك العملاء والخونة الذين انتحلوا صفات فضفاضة وكذابة ومنافقة؟ ومن هم أولئك الأبطال الذين نحييهم بهذه المناسبة؟
باختصار يمكن الكتابة طويلاً عما أنجزه هذا الجيش العظيم، والأمر يحتاج إلى فريق عمل توثيقي يصور ويكتب للأجيال القادمة ما قام به هذا الجيش البطل، وما صنعه من معجزات تحتاج للكثير من التفاصيل التي يجب أن نعرفها جميعاً لنتعرف أكثر على عظمة هذا الجيش ودوره التاريخي.
هناك نقطة أخيرة لابد من الإشارة إليها وهي أن جيشاً يتقدم كبار ضباطه جنودهم هو جيش عظيم، وترفع له القبعة، جيش يستشهد وزير الدفاع فيه، وكبار قادته بأعلى الرتب هو جيش الوطن والشعب هو جيش قدم آلاف الشهداء لنبقى ونحيا ونعيش حياة كريمة وبكرامة، هو جيش شقائق النعمان التي ستزهر سيادة وطنية وكرامة وعزة، وبلد لا جيش ولا أمن فيه سيمحى من الخريطة كما أثبتت الأحداث.
وأخيراً: أتوجه بهذه المناسبة إلى ضباط وصف ضباط وعناصر الجيش العربي السوري بخالص الامتنان والتقدير وكلمات الحب لما قدمتموه، ولما تقدمونه حتى الآن من تضحيات يجب أن تعرفها أجيالنا، وتتعلم منها لأنكم أبناء مؤسسة عظيمة وبلد عظيم وشعب عظيم.
التحية والإجلال للشهداء والشفاء للجرحى وإلى النصر الكبير الذي تحدث عنه قائد هذا الجيش ورمزه الرئيس بشار الأسد.
ندرك معاناتكم ونعرف كم تواجهون من صعاب ولكن أنتم جيش الإنسان، الجيش العقائدي الجيش الذي أذهل العالم، وأذهلنا، وقدم نموذجاً لجيش سوف تُدرس تجربته لعقود قادمة لمعرفة أسرار انتصاره وصموده.