يتم اختصار الأزمة السورية في أي لقاءات دولية أو إقليمية بمسألتين: إدلب واللجنة الدستورية، وتعتمد جميع التحركات الدبلوماسية أن الأمرين السابقين هما المفتاح لحل الأزمة، حيث تمثل إدلب المدخل لجميع المواضيع المتعلقة بالوجود المسلح، في حين تطرح اللجنة الدستورية إمكانية العودة للتفاوض من جديد، وإعادة وضع الأزمة السورية على مساحة الحل السياسي وفق المنطق الدولي.
تكرر لقاءات أستانا نفس الإطار العام منذ أن استطاعت فتح المجال لإنهاء التواجد المسلح في محيط دمشق، وعبر عام كامل فإن الدول الضامنة تتحرك على مساحة مغلقة لا تعكس إخفاقاً، بل قدرة على تحييد الخلافات بشأن سورية لإنجاح التنسيق فيما بينها، ولتقديم نموذج إقليمي يحاول رسم ملامح شرقي المتوسط ضمن نظام دولي سمته الأساسية عدم اتساق القوة للدول، وتوزيع عدم التوازن على مسائل إقليمية سواء في شرق المتوسط أم كوريا أم في أميركا الجنوبية.
عملياً فإن مسألتي إدلب واللجنة الدستورية تلخصان تحويل الصراعات إلى جدل سياسي مغلق، والهروب من استحقاق تحويل منهج حل الأزمة السورية ووضعها ضمن سياق مختلف، فالتأكيدات بخصوص إدلب تشير لأمرين:
– الأول عدم القدرة على خلق توازن جديد بين سورية وتركيا، وإيجاد علاقة بينهما لمرحلة ما بعد الأزمة، حيث يمثل بقاء المسلحين حالة قطيعة بين دولتين متجاورتين، وهذا الأمر يمكن سحبه على شرقي الفرات لأنها أيضاً منطقة تنقل عدم الثقة بقدرة النظام الدولي على تطمين تركيا تجاه «الأكراد».
لا تملك الدول الضامنة لمقررات أستانا تصورات واضحة لحل أزمة العلاقات التركية السورية بالدرجة الأولى، فأنقرة التي أثقلت نفسها بملفات كثيرة مرتبطة بالأزمة السورية، باتت تحتاج لكل أنواع التوتر لإبقاء سياسة حزب العدالة والتنمية على الأقل، وفي أحسن الأحوال فهي أسست تواجداً عسكرياً في الشمال السورية لا يملك أفقاً سياسياً واضحاً، فهو يشكل أوراقاً يمكن أن تدعمها إقليمياً، ولكنها في نفس الوقت فتح الجغرافية في الشمال السوري أمام احتمالات متعددة، ليس أقلها التواجد الدولي لدعم قوات «قسد» أمام احتمالات المواجهة مع الجيش التركي أو الميلشيات المدعومة من أنقرة.
– الثاني اعتبار قضية إدلب شأناً دولياً، ورغم أن أنقرة فتحت الأبواب لجعل هذه المسألة نقطة ارتكاز دولي، لكنها في المقابل حولتها إلى جغرافية يصعب التفاوض عليها، فالقدرة التركية على التحكم بالفصائل الموجودة في إدلب غير واضحة وتحكمها علاقات «استخباراتية» وليس سياسية.
حولت تركيا إدلب منذ بداية الصراع إلى نموذج حول إمكانية تأسيس بدائل للدولة السورية، وعندما إخفاق هذا الأمر عادت وطرحت هذه البدائل في شمالي محافظة حلب محاولة تخفيف الخطر الكردي القادم من شرقي الفرات، وفي النهاية فإن عقدة إدلب باتت مرتبطة فقط بتحويل «جبهة النصرة» إلى فصائل جديدة يمكنها التعامل مع مقررات أستانا، وهذا الأمر مازال حتى اللحظة مستحيلاً نتيجة نوعية التواجد المسلح في إدلب.
تبقى مسألة اللجنة الدستورية التي تحاول أن تكون بديلاً عن التفاوض المباشر في جنيف، فالجولات الكثيرة وعدم الوصول إلى تماسك في مسألة تحديد أطراف التفاوض؛ قادت في النهاية إلى تشكيل نقطة افتراضية متعلقة بالدستور، ونقل التناقض السياسي إلى تشكيل اللجنة المكلفة بإعداد دستور سوري جديد.
ليس من وظيفة أستانا الحديث عن مأزق علاقات إقليمية تؤخر أي بداية لحل الأزمة السورية، وليس من وظائفه أيضاً الحديث عن استبدال الدور السوري لخلق التوازن الإقليمي، وهي الحالة التي كانت سائدة قبل الأزمة، واستبداله بتوازنات متأرجحة متعلقة بتحالفات وتكتلات مختلفة، فالمفروض أن تقوم القوى السورية نفسها لتجاوز هذا الموضوع، وربما تبديل اتجاه النظر من البحث عن حلول لن تعيد التوازن الإقليمي، إلى دراسة القدرة على بناء أدوار سياسية سورية خارج «المنصات» التي تحولت إلى سراب، في وقت بقيت معاناة السوريين مستمرة.