من دفتر الوطن

صناعة الفرح

| زياد حيدر

اجتهد مجموعة من الشباب السوريين لصقل حماس فرقة موسيقية إسبانية، لتقديم عرض فني في سورية، ستستضيفه دار الأوبرا في دمشق الثاني والعشرين من الجاري. العرض الذي سيقدم رقص الفلامنغو التقليدي، لجمهورنا المتعطش للفرح والفنون الراقية، يشكل خرقا ليس للحصار الاقتصادي السياسي الاقتصادي التنموي المفروض على البلاد، وإنما اختراق لحصار الفرح الداخلي، الذي له مختصون ومحترفون، يتسلحون بنظريات يؤمنون بها، وعقليات يعتقدون أنها مترفعة عن كل نقد.
الفرح صناعة. والسعادة إن كنا نتحدث عن بناء المجتمعات، هي أيضاً صناعة. لصناعة الفرح، عليك توفير مقوماته، والفرح الذي يمكن أن يكون على المستوى الفردي، عرس قريب ما، أو نجاح ولد، هو على المستوى العام ما يمكن أن يكون تتويجاً ما، أو قراراً شعبياً إيجابياً.
ولكن كما قلنا الفرح له أعداؤه. في المنظومة الاشتراكية ولاسيما في عقود عزتها، كانت صناعة الفرح، على المستوى العام مصدر شذر، لأنها اعتبرت بمنزلة تلهية عن الصراع الأكبر.
كانت كل النجاحات التي يحققها الغرب، وينتشي بها، على المستويات الفنية والرياضية محل نقد، لأنها سياسات إمبريالية، هدفها تلهية الناس عن أوضاعها الاقتصادية بينما نخبتها من الرأسماليين تمتص خيرات البلاد.
ورغم أن الدول الاشتراكية كانت تحقق نجاحات رياضية بدورها، لكنها كانت بمجملها مهداة للحزب القائد، سبب عزتها وتفوقها وخير البشرية المنازع وفق عقيدتها.
الفرح ملهٍ. الفرح مخدر، الفرح منشٍ. أما اليأس والإحباط فالعكس. الإحباط يلصق صدرك بالأرض. وتصبح سماؤك سقف بيت. اليأس يجعل أملك دخان سيجارة، وأفقك خزان وقود.
الحديث هنا ليس عن الأوضاع الاقتصادية والحصار، وإنما عن عقلية تعتقد حقيقة وبصدق، أن الفرح خطر على مستقبل الأمة، أي أمة. فهو غاية وهدف يتحقق فقط حين توفر ظروفه التي تخدم معرقليه، لكي ينسب كل فرح لهم حصرا.
بمعنى أن الدوران في دوامة الفشل والإخفاق، الإحباط والقنوط، إستراتيجية بحد ذاتها، لكي يظل الفرح أو الأمل هنا نقطة صغيرة تائهة في هذه الدوامة، لا يمكن القبض عليها باليد، وممنوع التقاطها أصلا، فهي غاية لا تدرك، وحاجة لا تلبى.
لا شك بأن جهوداً كثيرة فردية تبذل لصناعة الفرح في سورية.
فردية لأنها وليدة مؤمنين بأن الفرح ليس غايته العبث وإنما توليد طاقة بناء إيجابية. لذلك حتى الآن في بلادنا صناع الفرح هم أفراد ليس أكثر.
البطل الأولمبي مجد الدين غزال صانع فرح، دريد لحام صانع فرح.
الشبان المتطوعون لتقديم فن الفلامنغو باستضافة نخبة من محترفيه، هنا، هم صناع فرح.
فرح قصير الأمد وليس سعادة راسخة أو مستقرة. لكنه فرح منعش، وهامش لتأمل الفرد بحياته وحياة محيطه ومساحة لمنح الحب وتلقيه، من جهة أخرى من هم صناع اليأس؟ منهم معيقو الفرح؟
من يجرؤ على إزاحتهم؟
وبما أن نجاحهم في سرقة الأمل، وإعاقة النجاح، قائم منذ سنوات، من يستطيع القول إن وجودهم طارئ، أو مجرد خلل في البنيان؟
وما دام فشلهم في صناعة لحظة بهجة، على مستوى الأمة، إخفاقاً متكرراً، وراسخاً، فما الذي يمنعنا من الاستنتاج بأن هذه هي مهمتهم ووظيفتهم اليومية؟
لليائسين الحق في البحث عن مسببي بؤسهم. لكن قدرتهم تتوقف عن إلقاء اللوم، والصمت، بانتظار نصر لا يأتي لمنتخب كرة القدم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن