أصدره رئيس الوزراء العراقي القائد العام للقوات المسلحة عادل عبد المهدي في الأول من تموز الفائت، أمراً ديوانياً برقم 237، دمج فيه جميع قوات الحشد الشعبي ضمن القوات المسلحة، وجعلها تأتمر بإمره، منهياً بذلك جميع التسميات التي كانت تستعملها الفصائل المكونة للحشد خلال فترة الحرب على تنظيم داعش، مغلقاً جميع مقراتها، ممهلاً الفصائل المسلحة غير المرتبطة بالحشد الشعبي، شهراً واحداً للاختيار بين التحول إلى العمل السياسي وخضوعها «لقانون الأحزاب ولقوانين وضوابط العمل السياسي والمجتمعي السائدة»، مانعاً «حملها للسلاح إلا بإجازة ولمقتضيات حماية مقراتها المدنية وقياداتها»، وإلا يُعد المخالف «خارجاً عن القانون ويلاحق بموجبه».
هذا القرار لا يختلف عن الأمر الديواني رقم 91 الذي كان رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي قد أصدره في الـ22 من شباط 2016 الذي ضم فيه الحشد الشعبي إلى هيكلية القوات المسلحة ومؤسساتها، إلا بكون الأمر الديواني الأخير قد أعطى القائد العام للقوات المسلحة صلاحية تعيين رئيس هيئة الحشد الشعبي، إضافة إلى أن الأمر الذي كان قد أصدره حيدر العبادي لم يُنفذ أغلب ما جاء فيه، لكون التعليمات التنفيذية الواردة فيه لم تكن واضحة، بسبب ما اتسمت العلاقة في نهاية ولايته بالتوتر مع بعض قادة الحشد الشعبي التي انتهت بالقطيعة حين أعفى فالح الفياض من منصبه كمستشار للأمن الوطني ورئاسة هيئة الحشد الشعبي وجهاز الأمن الوطني في الـ31 من آب 2018، مديراً الهيئة بنفسه.
لقد لاقى القرار، أي الأمر الديواني، ردود فعل مرحبة ومؤيدة من الأوساط السياسية الشيعية والسنيّة على حدٍ سواء، باعتباره «خطوة بالاتجاه الصحيح»، يُبعد «الحشد الشعبي عن التجاذبات السياسية»، ويُعزز «سيادة الدولة» بضبط السلاح المنفلت، خاصة بعد دمجه الحشدين العشائري والشعبي تحت اسم واحد، ملغياً جميع التسميات التي كانت تستعملها الفصائل المكونة للحشد قبلاً، ما يجعله أكثر تنظيماً، متمتعاً بحصانة أكبر لوجوده ضمن القوات المسلحة الرسمية، مانحاً في ذات الوقت الجيش قوة إضافية لوجود كفاءات قتالية من أعلى المستويات في الحشد.
القرار في مجمله يُعد خطوة لتنظيم وإعادة هيكلة هيئة الحشد الشعبي، منهياً بذلك الازدواجية في العلاقة التي كانت تحكم الفصائل المسلحة بين الخضوع للقائد العام للقوات المسلحة وبين تعدد ولاءات أفرادها لقياداتها، وإن كان ليس من السهل إنهاء تأثير قياداتها السابقة عليها في الوقت الراهن، ما يضع رئيس الوزراء عادل عبد المهدي ضمن اختبار جدي لما يتطلبه التنفيذ من حزم وقوة للسيطرة على تلك الفصائل المسلحة، والذي في ضوء نتائجه ستتحدد إمكانية تخفيف قلق بعض دول الإقليم والولايات المتحدة من خضوع الفصائل للتأثير الإيراني بحسب رأيها.
وفي ظل التهديدات التي يطلقها المسؤولون الأميركيون بأن الولايات المتحدة سترد على أي هجوم يستهدف مصالحها في العراق، ودخول المنطقة ككل على شفا حرب مدمرة محتلة، فإن وضع قوى الحشد الشعبي تحت قيادة الجيش بشكل رسمي سيردع أي هجوم محتمل عليها من قبل الولايات المتحدة أو أطراف أخرى، لأنه سيعتبر اعتداء على العراق وجيشه، كما سيحميها من أبعاد انعكاسات اتخاذ أي عقوبات أميركية بحق شخصياته ورموزه، كذلك سيمثل في الوقت ذاته استجابة غير مباشرة للمطالب الإقليمية والدولية التي تتخوف من تلك الفصائل، وتتهمها بين الحين والآخر باستهداف القواعد العسكرية الأميركية والشركات النفطية الأجنبية في العراق بالصواريخ.
إن الأمر الديواني الذي أصدره القائد العام للقوات المسلحة عادل عبد المهدي أعاد إثارة موضوع شرعية وجود قوات «البيشمركة» الكردية التي لا تخضع لقيادته، والتي تتلقى الدعم والتسليح والتدريب من أطراف ودول خارجية عدة، والتي سبق أن مارست أدواراً خطرة هددت سيادة وأمن العراق، بقتالها القوات المسلحة الاتحادية في الـ20 من تشرين الأول 2017، حين عمدت القوات الاتحادية إلى إعادة بسط سيطرتها على محافظة كركوك، وعلى ما يسمى المناطق المتنازع عليها عقب استفتاء انفصال الإقليم عن العراق، فيما كان يُفترض أن ينحصر دور قوات «البيشمركة» في حماية الحدود باعتبار أن إقليم كردستان هو جزء من العراق والقوات الأمنية فيه هي جزء من منظومة القوات المسلحة العراقية المرتبطة بالقائد العام للقوات المسلحة في الحكومة الاتحادية.
وحتى لا يعد الأمر الديواني انتقائياً، كان ينبغي الإشارة فيه إلى وضع قوات «البيشمركة»، وأيضاً إلى تلك المتواجدة ضمن معسكرات الجيش التركي داخل الأراضي العراقية باسم «الحشد الوطني» الذي يقوده أثيل النجيفي محافظ نينوى الأسبق الفار، وإلى تلك المتواجدة ضمن القواعد الأميركية في المنطقة الغربية من العراق كـ«أشباحِ الصحراء» وبعض المجاميع العشائريّةِ الأخرى.