يطل من حين لآخر، عبر الفضائيات، ذلك الوجه الأكثر بشاعة من كل الوجوه البشعة التي عرفناها في دنيا السياسة الأميركية، أمثال الرئيسين جورج بوش الأب ثم الابن، ودونالد رامسفيلد، وديك تشيني، وجون ماكين وغيرهم ممن عرفوا بالمحافظين الجدد وزعامات الآيباك اليهودية الصهيونية، ذلك الوجه البغيض، شكلاً ومضموناً، هو مستشار الأمن القومي الأميركي حاليا جون بولتون.
عرف بولتون، منذ السبعينيات من القرن الماضي كمندوب لأميركا في هيئة الأمم المتحدة بحقده الشديد، وكرهه الأشد للعرب خاصة، والمسلمين عامة، حتى قبل أن تظهر على الساحة تلك الآفات التي ادعت انتماءها للإسلام، فشوهت بممارساتها الإجرامية سمعة كل من العرب ومن المسلمين غير العرب، كما عرف عنه عشقه المفرط لبني إسرائيل، أو من يدعون أنهم كذلك، فيما هم ليسوا غير «لمامة» من أدنى مستويات البشر أخلاقاً، وإن كانوا أعلاهم مكانة في مضماري الجريمة والإرهاب.
ولأن الرجل خال تماماً من أي موهبة، وأي قدرات ذاتية سياسية أو غيرها، ولا يرى إلا عابساً متجهماً مستعلياً، ولا ينطق إلا فيما يسيء للبشر؛ أياً كانوا، ظناً منه بأن الأميركيين؛ كما الإسرائيليين، خلق فوق سائر البشر.
لقد سبق لبولتون هذا كشأن غيره من ساسة أميركا، أن كان معجباً بإيران في عهد الشاه محمد رضا بهلوي، لكنه سرعان ما انقلب على إيران، مختصاً إياها بالحقد والكراهية والعداء عندما أصبحت «الجمهورية الإسلامية الإيرانية»، ذلك أن الأول كان شرطي المنطقة المنفذ لرغبات إسرائيل وسياسات أميركا المستغلة لأموالهم وثرواتهم النفطية في السعودية والمحميات البريطانية في الخليج، أما إيران في عهدها الجديد فقد أضحت نصيراً لخصوم إسرائيل، وتبنت المسألة الفلسطينية، بل ذهبت إلى حدّ طرد السفير الإسرائيلي في طهران وتقديم مقر السفارة إلى فلسطين، ورفع علم فلسطين عليها، إضافة إلى نشاطها ومبادراتها العديدة، كإعلانها ليوم القدس العالمي في آخر يوم جمعة من شهر رمضان من كل عام. كيف لا تغدو إيران إذاً، في هذه الحال، العدو الأكبر للمدعو جون بولتون عميل اليهودية الصهيونية، بل هو أحد رجالاتها ولاءً وانتماءً؟ وترى هل كان وصول بولتون إلى هذا الموقع في الإدارة الأميركية مصادفة؟ إطلاقاً فالوصول إليه دونه عقبات كثيرة وله شروط أكثر صعوبة.
هل كانت المسألة اختيار الرئيس دونالد ترامب شخصياً له، الأمر الذي نستبعده بداية، لأن ترامب، تاجر العقارات ورجل الأعمال، قد لا يكون على صلة بأمثال بولتون من السياسيين، يبقى إذاً الاحتمال الأرجح وهو ترشيح الكونغرس، وعناصر الإيباك فيه خاصة، هم من رشح الرجل لمنصبه الخطر كمستشار الرئيس للأمن القومي!
منذ تعيينه في هذا الموقع، أخذ بولتون على عاتقه مهمة التحريض على إيران بمناسبة ومن غير مناسبة، والعمل على دفع رئيسه إلى إعلان الحرب على إيران، بوصفها، كذباً وتلفيقاً وافتراء بطبيعة الحال، السبب فيما يدعيه هو ورئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو، في عدم الاستقرار في المنطقة، وفي إثارة المشكلات فيها، وفي دعم الإرهاب إلى حد الادعاء بأنها أمست تشكل خطراً على السلم العالمي، وفي هذه المنطقة من العالم على الخصوص!
لقد بلغ بالرجل الحقد الهستيري على إيران ومن معها، أنه اقترح في وقت ليس بعيد، أن تهاجم أميركا إيران بالقنابل الذرية دفعة واحدة! وفي كل مرة كان يلتقي نتنياهو في زيارة له لإسرائيل أو لقاء في أميركا يدعو إلى مهاجمة إيران خدمة لإسرائيل وإرضاء لنزعة نتنياهو الإجرامية الحاقدة بالقنابل الذرية.
أي قدر من الإجرام ينطوي عليه هذان الرجلان القميآن المرتجفان هلعاً مما يحسبانه قادماً في يوم قريب من انهيار للكيان الصهيوني على أيدي الرجال في حلف المقاومة، وإيران الدولة أحد أطرافه، كما هو الحال في سورية، ثم المقاومة في لبنان والمقاومة في فلسطين؟
ترى هي ينجح جون بولتون في دفع رئيسه إلى مثل هذه الحرب؟ أغلب الظن أن الجواب بالنفي، ذلك أن ترامب نفسه أدرك أهداف بولتون ونتنياهو وبومبيو وغيرهم من وراء دفعه إلى حرب على إيران، كما أدرك أنها، في هذه الحال، لن تقف عند حد، ولا يدري هو أو أي أحد آخر كيف ستنتهي؟ وما تكاليفها الباهظة، لو وقعت، بشرياً ومالياً ودولياً، بل إنها ليست أقل من مغامرة ومخاطرة قد تطيح بالحضارة الإنسانية كلها، إذ إنها عندئذ قد تجر إليها، مصادفة أو عن عمد، دولاً أخرى كبرى تعادل أميركا نفسها قوة في مضمار السلاح النووي كروسيا والصين وغيرها وقل عندئذ على الدنيا السلام كرمى لعيون بني صهيون!
نقول إذاً إن ترامب رجل المال والأعمال، ليس على استعداد لذلك، فهمّه الأوحد والأكبر الآن هو في البقاء لدورة ثانية في البيت الأبيض، وكأن لسان حاله يقول: بلا حرب بلا وجع قلب، يا مستر بولتون دعنا نبتز أموال هؤلاء المغفلين! وكفى!