دفعني لكتابة هذا المقال ما حصل معي عندما ذهبت إلى أحد المشافي الخاصة لأخذ «إبرة» بالعضل، حيث فوجئت عند المحاسبة أن أجرة أخذها خمسمئة ليرة سورية، وكنت دفعت قبل ثلاثة أيام مئتي ليرة سورية فقط، وبسؤالي عن سبب هذه الزيادة أجابوني بأنه صدرت تسعيرة جديدة عن وزارة الصحة، ما دفعني إلى التعبير عن استيائي من هذا القرار.
بداية لا بد من التأكيد على أن الصحة والتعليم يجب أن يكونا من أهم أولويات الدولة إلى جانب الدفاع والأمن، وأن هذين القطاعين يجب أن يبقيا تحت سلطة الدولة وإشرافها، وعدم التفكير بالتخلي عنهما بحجة عدم وجود موارد تغطي حاجة هذين القطاعين، وخاصة بالنسبة للتعليم.
لوحظ في الآونة الأخيرة تراجع مستوى التعليم في المدارس والجامعات الحكومية، ولا يجوز أبداً أن يزاود أحد بإنكار ذلك، ويؤكد ذلك اندفاع أهالي الطلاب لتسجيل أبنائهم في المدارس الخاصة رغم ارتفاع رسومها بشكل كبير، وهذا يدفع الكثير للقول إن التعليم أصبح لأبناء الأغنياء والمقتدرين، وإن أبناء الفقراء وذوي الدخل المحدود عليهم التسجيل في المدارس الحكومية والاستعانة بالأساتذة المختصين بدروس خصوصية لتحسين مستواهم العلمي.
لقد حصل جيلنا على تعليمه في المدارس والجامعات الحكومية، حيث كانت تضم خيرة المعلمين والأساتذة، ولم نكن نسمع أو نعرف مصطلح «دروس خصوصية»، وكان الطلاب من أبناء الفقراء والأغنياء يجلسون جنباً إلى جنب في الصف.
أما اليوم فواقع التعليم أقام حاجزاً بين أبناء الأغنياء وأبناء الفقراء، حيث يتلقى أبناء الأغنياء تعليمهم في المدارس الخاصة التي أصبح معظمها منشآت سياحية لتصل رسوم التسجيل فيها إلى ملايين الليرات، في حين يتلقى أبناء الفقراء تعليمهم في المدارس الحكومية التي لا يوجد فيها الوسائل الكافية واللازمة للتعليم ويعاني المعلمون فيها من تدن كبير لرواتبهم انعكس بوضوح على أدائهم ومستوى التعليم الذي يقدمونه للطلاب.
أنتقل إلى القطاع الصحي الذي يعاني من خلل كبير في ظل تراجع خدمات المشافي العامة بسبب ضعف إمكاناتها المالية وعدم رصد الاعتمادات اللازمة لها إضافة إلى عدم تواجد الأطباء الأساتذة إلا بأوقات محدودة جداً وانصرافهم للعمل في عياداتهم وإجراء العمليات في المشافي الخاصة.
لقد أصبحت العمليات الجراحية في المشافي الخاصة بمئات الألوف من الليرات وأحياناً ببضعة ملايين، وهذه المبالغ تفوق بكثير قدرة المواطن من ذوي الدخل المحدود.
وهنا أسأل: أين وزارة الصحة ونقابة الأطباء؟! ألا يجب أن يخضع الأطباء والمشافي إلى رقابة وضوابط يتم من خلالها فرض أسعار وأجور معقولة، فالمواطن يقبل أن يحصل الطبيب على دخل شهري بحدود المليون ليرة رغم أن دخل المواطن من ذوي الدخل المحدود لا يتجاوز مئة ألف ليرة سورية، ولا يمكنه تقبل أن يكون دخل الطبيب الجراح مليون ليرة يومياً؟! وأنا هنا لن أتحدث عن العمليات التي يجريها بعض الأطباء دون وجود ضرورة أو لزوم لها؟! ولن أتحدث عن أسعار الدواء وانخفاض فاعليته.
أعتقد أن لكل ما ذكرته علاقة مباشرة وغير مباشرة بالفساد الذي أصبح منتشراً بكافة أشكاله في كل مناحي حياتنا ومعيشتنا ووصل إلى مستويات غير مسبوقة. فهل نحن مدركون ذلك؟
باحث ووزير سابق