تشهد مدينة حلب اليوم حركة نشطة على طريق إعادة إحياء أسواق حلب التاريخية المدرجة على لائحة التراث العالمي، لتبدأ بالعودة تدريجياً لتشكل «أكبر سوبر ماركت في العالم على الإطلاق».
وأبى العديد من أصحاب المحال التجارية بحسب وكالة «سبوتنيك» الروسية للأنباء، إلا أن يعودوا إلى مباشرة تجارتهم وافتتاح محلاتهم المحاطة بالأنقاض والدمار، وإعادة الألق القديم للأسواق بعد خضوعها لأعمال ترميم بدعم من الحكومة، بهدف إعادة الفعاليات التجارية إلى الأسواق الأثرية، كما هو الحال في سوق السقطية الذي أعيد افتتاحه بداية تموز الماضي.
وشكل الدمار الذي ألحقته التنظيمات الإرهابية بأسواق حلب التاريخية خلال سنوات سيطرتها على الجزء الشرقي من المدينة، ضربة قوية للتراث العالمي، أطاح بأجمل أسواق مدن الشرق وأكبرها، بعدما ظلت جزءاً مزدهراً في الحياة السورية الاقتصادية والاجتماعية، طيلة 24 قرناً من الزمن.
ويعود تاريخ أسواق حلب إلى القرن الرابع قبل الميلاد، حيث أقيمت المحال التجارية على طرفَي الشارع المستقيم الممتد بين القلعة وباب أنطاكيا، لتشكل أطول سوق مسقوف في العالم.
وقد أخذت معظم أسواق حلب القديمة شكلها الحالي في العهد البيزنطي وتم توسيعها في العصر الإسلامي، كما شيدت بعض الأسواق خلال الاحتلال العثماني للمدينة، وقد كانت تجارة حلب القديمة متمركزة في الأسواق والخانات، وظلت إلى سنوات قريبة تلعب دوراً بارزاً في الحياة الاقتصادية لمدينة حلب.
وتعرضت أسواق حلب لحريق عام 1868 أتلف أسقفها المصنوعة من القصب والأخشاب، فأعيد بناء أسقف حجرية جديدة مزودة بنوافذ سقفية، وفتحات للإنارة والتهوية.
ويبلغ تعداد أسواق حلب القديمة 37 سوقاً، ويقارب مجموع طولها 15 كيلومتراً، وتشكل محالها التجارية «أكبر سوبر ماركت في العالم على الإطلاق».
ولكل سوق من أسواق حلب القديمة اسمه، ولكل اسم قصة ترتبط بتخصصه وبنوع سلعه، كسوق الزرب الذي يقع في الجهة الشرقية للمدينة، فاسم السوق الأصلي هو «سوق الضرب»، حيث كانت تضرب به العملة المعدنية في العهد المملوكي ثم تطوّر تعبير «سوق الضرب» ليصبح «سوق الزرب»، الذي كان قبل «الحرب» سوقاً خاصاً لبيع المنسوجات و«الفروات» والعبي المبطنة بصوف الخراف، وقد عادت بعض المحلات لاستئناف العمل بمحالهم، وعاد الزبائن يقصدون هذا السوق على الرغم من الدمار الكبير الذي لحق به خلال سنوات الحرب.
وإلى الغرب من سوق الزرب يمتد سوق العبي أو كما يسميه البعض «سوق النشابين» ويتخصص ببيع العبي إلى جانب أنواع أخرى من المنسوجات والأقمشة، أما سوق «قرة قماش» وهو اسم يعني القماش الأسود، فهو من الأسواق غير المسقوفة، حيث تم هدم هذا السوق منذ نحو 100 سنة ليعاد تشييده من جديد ولترتفع على جانبيه الأبنية السكنية.
وكان هذا السوق يختص ببيع «الملايا» والبرقع والخمارات والعباءات السوداء، ويتفرع منه سوق آخر يسمى «سوق الدهشة» وسمي كذلك لأن كل من يزوره للمرة الأولى كان يصاب بالدهشة، لجماله ولروعة الأقمشة المعروضة فيه.
أما «سوق الطرابيشية» فيقع على امتداد «سوق الدهشة»، وظل لعشرات السنين قبل الحرب سوقاً لبيع الأقمشة والملابس، بعد اندثار الطرابيش وصناعتها، على حين سمي «سوق الدراع» بهذا الاسم نسبة إلى وحدة القياس التي يتعامل بها تجار الأقمشة الحلبيون «الذراع»، وكانت محاله قبل الحرب متخصصة ببيع وخياطة الأقمشة، حيث كانت ماكينات الخياطة تنتشر في السوق وأمام المحال مستفيدة من فتحات الإنارة السقفية والمزودة بمرايا عاكسة لأشعة الشمس.
وهناك أيضاً سوق «سوق النسوان» المفضل لدى النساء الحلبيات لشراء الأقمشة، ومثله سوق «خان الحرير»، في حين تمددت إلى «سوق العطارين» التاريخي تجارة الأقمشة، ومع ذلك ظل محافظاً على تخصصه في بيع البهارات والتوابل والزعتر الحلبي الشهير والزهورات ولوازم العطارة، إلى أن أخرجته نيران الإرهاب من الخدمة ودمرت أجزاء واسعة منه.
أما «سوق السقطيّة» الذي يرتبط بالأكلات الشعبية المعمولة على أصولها، كالفول والحمص والفتّات والمعجنات والخضار والفواكه، فشهد خلال الأشهر الأخيرة عملية ترميم كبيرة قبل إعادة افتتاحه الشهر الماضي، بعدما أعيد إليه رونقه القديم كما كان قبل نحو 1000 سنة.
ومن المتوقع أن تبدأ بعد ذلك مرحلة ترميم السوق المجاور لـ«سوق السقطية»، والذي يطلق عليه اسم «سوق البهرمية» وقد سمّي بهذا الاسم نسبة لجامع ومدرسة بهرام باشا قربه، وهو سوق متخصص ببيع الأغذية.
وتتشابك مع الأسواق المذكورة وتتكامل معها، أسواق كثيرة، يتميز كل منها ببيع سلع وخدمات معينة استمد اسمه منها مثل «سوق الصاغة» المتخصص بصياغة وبيع الحلي الذهبية، و«سوق الصرماياتية» المتخصص ببيع وصيانة الأحذية، و«السوق العتيق» و«سوق الحور» و«سوق الحمام» و«سوق ماركوبولي» و«سوق الشام» و«سوق الحدّادين» و«سوق الصابون» و«سوق أصلان دادا» نسبة لاسم باني الجامع المجاور.