وجيه السمان.. ذاكرة وتاريخ وأصالة ترويها له إنجازاته … نهض بكل الأعباء رغم ضخامتها.. وعطاؤه ازداد مع تقدم العمر به..
| سارة سلامة
شهد عام 1913، ولادة المهندس وجيه السمان، الذي تلقف تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي في دمشق، وحصل من مدرسة يطلق عليها اسم «مكتب عنبر» عام 1930 على شهادة الدراسة الثانوية، وعرفت هذه المدرسة بجودة رعايتها لطلابها واستقطاب أفضل الأساتذة للتدريس فيها.
ومن ثم تابع دراسته الجامعية في المدرسة المركزية، للفنون والصناعات بباريس، وهي مدرسة يخضع المنتسبون إليها لامتحان قبول قاس في الرياضيات والفيزياء اجتازه السمان بنجاح، وتخرج فيها عام 1937 حائزاً شهادة الهندسة في الميكانيك والكهرباء.
صدر عن مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق كتاب بعنوان «المهندس وجيه السّمان»، تأليف الدكتور أحمد الحصري. وذلك ضمن خطة المجمع في إتمام ما بقي من سلسلة كتبه عن المجمعيين الراحلين.
كلمة المجمع
«لم يكد الأتراك يجلون عن سورية حتى قامت فيها حركة نشطة لاستبدال اللغة العربية بالتركية، وبناء الوطن الحرّ، وقد تم ذلك بسرعة وإتقان. ورأى «مجمع اللغة العربية بدمشق» في هذه الحركة تجربة فريدة تستحق الدراسة والتحليل، ويستحق الذين شاركوا فيها أن يعرفوا ويشكروا وتنشر سيرهم وآثارهم، فأوكل في سنة 2007م، إلى لجنة من أعضائه القيام بالتعريف بأعضاء «المجمع العلمي العربي» الأوائل، والكتابة عمن لم يكتب عنه منهم، وجمع ما أمكن من آثارهم ونشره اعترافاً بفضلهم وإحياء لذكراهم.
وقد قامت اللجنة بواجبها على خير وجه، ووضعت برنامجاً لعملها، واستكتبت عدداً من المؤلفين الكبار، واختارت منهم من كانت تربطه بالمؤلف رابطة صداقة أو زمالة أو نسب، وفي إثر ذلك بدأ المجمع إصدار سلسلة من الكتب عن أعضائه المؤسسين ومن تلاهم، وصدر العدد الأول من هذه السلسلة في سنة 2011م، وما زال المجمع ماضياً في إخراج بقيتها».
كلمة المؤلف
وقال المؤلف في مقدمة الكتاب إن: «السمان كان من الرعيل الأول من أبناء هذا الوطن الذين حازوا شهادة الهندسة من المدرسة المركزية بباريس عام 1937م، وهو في ريعان الشباب، ثم تابع مسيرته المهنية الظافرة مدرّساً في ثانويات دمشق وحلب، وعميداً ومؤسساً لجامعة حلب، ووزيراً للصناعة، ورئيساً للمجلس الأعلى للعموم، ومؤلفاً ومترجماً للكتب العلمية من اللغتين الفرنسية والإنكليزية، وعضواً فاعلاً في نشاطات مجمع اللغة العربية مدة تقارب ثلاثين عاماً.
لقد نهض السمان بكل هذه الأعباء رغم ضخامتها، بل إن عطاءه كان يزداد كلما تقدم به العمر، لقد ملأ سني حياته، التي ناهزت ثمانين عاماً، بالعطاء بصمت وصبر وطول أناة.
مدرس في ثانويات وجامعتي حلب ودمشق
وعندما عاد المهندس وجيه السمان من فرنسا عام 1937- بعد نيله شهادة الهندسة في الميكانيك والكهرباء من المدرسة المركزية- لم يجد مؤسسة يمكنها الإفادة من علمه الواسع ومؤهلاته العالية، فلجأ إلى تدريس الرياضيات والفيزياء في ثانويات دمشق وحلب حتى عام 1946 حيث عين أستاذاً في كلية الهندسة بحلب، وأعد لطلاب الشهادة الثانوية كتاباً في الفيزياء نشرته وزارة المعارف آنذاك بعنوان «الميكانيك والحوادث الدورية». ودرّس السمان مقررات الفيزياء في جامعة حلب قبل وبعد تعيينه عميداً لها عام 1974، وقد ركز جلّ اهتمامه حينها على تزويد الكلية بحاجاتها من الأجهزة والمخابر، واستقطب خيرة الأساتذة للتدريس فيها، واستمر في عمله ذاك حتى شهر آذار عام 1951، حيث عين مديراً عاماً لمؤسسة كهرباء دمشق. كما أن السمان سمي، وهو عميد لكلية الهندسة بحلب، عضواً في مجلس إدارة شركة مرفأ اللاذقية، وكان عضواً في مجلس إدارة مشروع جرّ مياه نهر الفرات إلى حلب.
أما تدريسه في جامعة دمشق فاستمر بين عامي 1961 و1969، وقد أعدّ خلال هذه المدة كتاباً جامعياً شاملاً بالتعاون مع زميلين آخرين، هو في الواقع ترجمة للطبعة الرابعة لكتاب: «Modern University Physics». لمؤلفيه: جيمس ريتشاردز، فرانسيس وستون سيرز، رسل وير، مارك.
مقاله عن «النحت»
وفي إحدى مقالاته التي جاءت تحت عنوان النحت قال السمان: «هناك علماء كثيرون قدماء ومحدثين تناولوا هذا الموضوع، ولا أقصد من بحثي هذا زيادة في عدد ما كتب توخياً للزيادة في ذاتها، ولكنني أريد أن أعالج فيه ناحية لم يطرقها أكثر من كتبوا في هذا الموضوع، فأكثرهم قد وقفوا عند مذهب الأوائل في النحت في العلوم الحديثة، ومتى يجب اللجوء إليه، خاصة في مصطلحات الفيزياء والعلوم والهندسة؟
تعرّف كتب اللغة النحت: بأن تعمد إلى كلمتين أو أكثر فتقطع من اثنتين منهما حرفاً أو حرفين أو ثلاثة وتبني من هذه الحروف التي اقتطعتها كلمة جديدة تقوم مقام العبارة التي أخذت منها الحروف، فتسمى هذه الكلمة منحوتة.
يضرب الخليل بن أحمد الفراهيدي في معجمه (العين) مثلاً على ذلك هو «عبشمي»، وردت هذه الكلمة في قصيدة مشهورة لعبد يغوث، وهو من شعراء المفضليات، قالها بعدما أسرته تيم الرباب يوم الكلاب الثاني، وذلك قبل أن يقتل. والبيت هو:
وتضحك مني شيخة عبشمية
كأن لم تري قبلي أسيراً يمانيا
فالعبشمي والعبشمية نسبة إلى عبد شمس، نحتت هذه الكلمة بأخذ العين والباء من عبد والشين والميم من شمس، فبني من هاتين الكلمتين كلمة واحدة والياء في آخر الكلمة هي ياء النسب، فهذا من النحت، وقد وردت في الشعر الجاهلي وفي صدر الإسلام كلمات منحوتة كهذه في أنساب القبائل مثل: عبدري (من: عبد الدار)، وعبقسي (من: عبد القيس)، وتيملي (من:تيم الله).
وولدت في صدر الإسلام بالنحت مصطلحات مثل: هيلل هيللة، وهلل تهليلاً (قال: لا إله إلا الله)، وحمدل (قال: الحمد الله)، وحوقل (قال: لا حول ولا قوة إلا بالله)، وبسمل (من: بسم اللـه الرحمن الرحيم)، وحسبل (من حسبي الله)، وحيعل (من: حي على)، وطلبق (من: أطال اللـه بقاءك)، ودمغر (من: أدام اللـه عزك).
فقد ورد لعمر بن أبي ربيعة هذا البيت:
لقد بسملت ليلى غداة لقيتها
فيا حبذا ذاك الحبيب المبسمل
وقال آخر:
ألا رب طيف منك بات معانقي
إلى أن دعا داعي الصباح فحيعلا.