اقتصادالأخبار البارزة

قراءة خاصة في مشروع قانون الاستثمار الجديد: غير قادر على تذليل عقبات الاستثمار السابقة ويشبه المرسوم 8 لعام 2007 وبعض التعديلات شكلية

| بقلم: د. رشا سيروب

عند كل ضائقة اقتصادية أو تعثر تنموي في سورية يبرز إلى السطح موضوع تعديل قانون الاستثمار، وكأنه المنقذ الوحيد لمشاكل تعثر عملية التنمية، والحل السحري لمعضلة نقص التمويل.
وافق مجلس الوزراء على الصيغة النهائية لمشروع قانون الاستثمار الجديد، وبذلك يكون التشريع الثالث (في حال إقراره من مجلس الشعب) خلفاً للمرسوم 10 لعام 1991 والمرسوم 8 لعام 2007، وهو يعتبر النسخة الرابعة أو الخامسة التي تم تداولها وطرحها في أروقة مجلس الوزراء.
ما الذي يميز هذا المشروع عن القانونين السابقين؟ وهل سيحقق الآمال المعقودة عليه؟

بعد التمحيص في مشروع القانون، فإنه لم يأتِ بتغيير جوهري يمكنه من تذليل عقبات الاستثمار السابقة (إذا اعتبرنا أن قانون الاستثمار السابق هو المعوق)، بل يشبه كثيراً المرسوم 8 لعام 2007، باستثناء بعض النقاط، من أهمها:
أولاً- تم إدراج المشروع الاستثماري المقام بالشراكة مع جهات القطاع العام ضمن قانون الاستثمار.
ثانياً- قام بتغيير تبعية هيئة الاستثمار السورية لتتحول من رئيس الوزراء إلى وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية، وإدراج مواد المرسوم 9 لعام 2007 (قانون إحداث هيئة الاستثمار السورية) ضمن القانون الجديد، وإحداث محكمة استثمار.
ثالثاً- السخاء في الإعفاء الضريبي والمدد الطويلة للتخفيض والإعفاء الضريبي الذي قد يصل إلى مدى الحياة، حيث تراوحت الإعفاءات الضريبية بين 100 بالمئة (أي صفر ضريبة على مشاريع الإنتاج الزراعي والحيواني مدى الحياة) و50 بالمئة على بقية المشروعات لمدة عشر سنوات قابلة للتمديد خمس سنوات (باستثناء المنشآت الحرفية وفرز وتوضيب المنتجات الزراعية التي حصلت على 25 بالمئة لمدة خمس سنوات)، وبذلك فإن وسطي الضريبة على أرباح الشركات تتراوح بين 3.5 بالمئة-11بالمئة وهي أقل من وسطي الضريبة على الرواتب والأجور.
رابعاً- إدراج قطاع السياحة ضمن القطاعات التي تستحق الحصول على الحوافز الضريبية والجمركية وغير الضريبية، واعتباره حامل النمو الأكثر أهمية، حيث تم منحه إعفاءات ضريبية تصل إلى 75 بالمئة من ضريبة الدخل لمدة 10 سنوات.
خامساً- بعض التعديلات شكلية، إذ أجرى المشروع بعض التعديلات في ترتيب المواد الواردة مسبقاً في المرسوم 8 لعام 2007، وتعديل بعض عناوين الفصول، على سبيل المثال تم إفراد فصل خاص بحقوق المستثمر والتي هي ذاتها وردت ضمن «ضمانات الاستثمار» في المرسوم 8 لعام 2007 وإدراج فصل تحت مسمّى «التزامات المستثمر» وهي ليست إلا الأحكام العامة في المرسوم 8 لعام 2007.
لذلك برأينا أن هذا القانون (في حال تم إقراره) لن يستطيع تحقيق الأهداف التي وُجد من أجلها، بل على العكس، آثاره قد تكون سلبية نتيجة السخاء المفرط في الإعفاءات الضريبية وآجال التخفيض الضريبي، وهو الأمر الذي سوف يُسهم لاحقاً في زيادة عجز الموازنة العامة للدولة التي ستلجأ إلى الضرائب والرسوم غير المباشرة لتعويض هذا النقص في الموارد.
وهنا نتساءل: من أين ستؤمن الخزانة العامة للدولة الموارد المالية للإنفاق على الخدمات الاجتماعية والرواتب والأجور؟ وكيف ستقوم بتنفيذ مشروعات استثمارية لا يقدم عليها عادة القطاع الخاص؟ أم ستلجأ إلى الاستمرار في سياسات التقشف بذريعة عدم توافر الموارد، أو ستعتمد على ضريبة الرواتب والأجور والضرائب غير المباشرة لتمويل إنفاقها؟!

استغراب
يمكننا القول إن مشروع قانون الاستثمار يلغي دور الضريبة كأداة في توزيع الدخل لتحقيق العدالة الاجتماعية.
وما يثير الاستغراب في مشروع القانون هو طبيعة ونوعية المشروعات -التي تعتبرها الحكومة ذات الأولوية وقادرة على تحقيق تنمية شاملة ومستدامة- والتي تم منحها إعفاءات مجزية لا تتناسب مع طبيعة اقتصاد يخرج من الحرب، حيث إن مشروع القانون يدعم صناعات موجهة للتصدير وليس لصناعات تلبي الطلب المحلي أو تُسهم في ترشيد الاستيراد، إذ تم منح تخفيض ضريبي بمقدار 75 بالمئة من ضريبة الدخل لمدة 10 سنوات لمشاريع صناعية تصدّر أكثر من 50 بالمئة من طاقتها الإنتاجية.
ومشروع القانون يعتبر قطاع السياحة -وبالتحديد المجمعات السياحية والفنادق وغيرها من المنشآت من الدرجة السياحية والأولى والثانية- هو قاطرة النمو، إذ يحصل على حوافز ضريبية تفوق المشروعات الصناعية ذات المحتوى التقني المرتفع أو مشروعات الطاقات المتجددة أو مصانع الأدوية أو مشاريع التصنيع الزراعي والحيواني وغيرها من المشروعات التي لم تحصل إلا على 50 بالمئة إعفاءً ضريبياً.
كما أن مشروع القانون يعطي الأولوية للمشروعات الكبيرة أكثر من المشروعات الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر، إذ تحصل الأولى على حسم ضريبي إضافي بمقدار 5 بالمئة، إذا قامت بتشغيل 75 عاملاً سورياً، وتمديد خمس سنوات إعفاء ضريبي، على حين إن المنشآت الحرفية تحصل فقط على 25 بالمئة حسم ضريبي لمدة خمس سنوات، علماً أن لا داعي لإدراج المنشآت الحرفية في هذا القانون.
وبذلك نجد أن مفهوم تشجيع الاستثمار والبيئة الاستثمارية في سورية ما زال مقتصراً على الإعفاءات الضريبية والجمركية، والتي أثبتت التجارب السابقة أنها لم تكن يوماً عائقاً أمام المستثمرين، ولم تكن السبب في إحجامهم عن الاستثمار في مشروعات ومناطق معينة، بل السبب كان دائماً الإجراءات الإدارية والبيروقراطية ونظام المحاصصة لأي مستثمر جديد، والأهم من ذلك التناقضات في القوانين والإجراءات واحتمال تطبيقها بأثر رجعي، والتي لم يخلُ منها هذا المشروع، إذ أدرج مشروع القانون مادة كاملة حول التحكيم الداخلي، علماً أن جميع الفقرات مذكورة في قانون للتحكيم رقم 4 لعام 2008 ولا داعي لسردها مرة أخرى، مع فارق أن مشروع القانون قام بتغيير المدد الزمنية في إجراءات التحكيم وإصدار الحكم، وهو الأمر الذي سيجعل المستثمر يقع في حالة من عدم اليقين بين تطبيق قانون التحكيم في حال نشوب النزاعات أو تطبيق ما ورد في قانون الاستثمار الجديد.
كما أن الاستثمار في القطاع العام سيصبح خاضعاً لمجموعة من القوانين منها قانون الاستثمار وقانون التشاركية وقانون إحداث الشركات القابضة في الجهات العامة.

ختاماً
الاستثمار أمر أساسي للتنمية المستدامة والنمو الشامل، ونحن بحاجة إلى تعبئة المزيد من الاستثمارات وتوجيهها إلى الأماكن التي يمكن أن تسهم فيها أكثر في التنمية المستدامة، ويعد المناخ المواتي للاستثمار شرطاً مسبقاً لزيادة تدفقات التمويل إلى قطاعات التنمية المستدامة الرئيسة، وهذا يتطلب فهم السلوك الاقتصادي للاستثمار عموماً والاستثمار الأجنبي على وجه الخصوص، فلم تعد سياسات الاستثمار تتحرك عالمياً في اتجاه مزيد من الانفتاح، بل أصبح يُفرض عليها مزيد من القيود والتنظيم الاستثمار، فضلاً عن أن طبيعة تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر آخذة في التغير، وتتوجه نحو الأصول غير الملموسة، الأمر الذي يتطلب توافر بيئة عمل الكترونية متقدمة، ويد عاملة مؤهلة ومدربة ومتكيفة مع المتطلبات التكنولوجية وهذا يستدعي مزيداً من الإنفاق على التعليم.
وتتطلب البيئة الاستثمارية بداية سلسة بالإجراءات الإدارية، وعدم وجود ثغرات وتداخلات وتناقضات في القوانين والتشريعات، ويعتبر المستثمر السوري أهم مقياس أمان لتشجيع الاستثمار الأجنبي، لذلك لا بد بداية من منحه مزايا تفضيلية وعدم معاملته أسوة بالمستثمر الأجنبي، ريثما يبدأ الأخير بالدخول.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن