بعد شد وجذب وجهود مضنية من المفاوضات المطولة، والمساومات السياسية بين الأحزاب الكردية الرئيسة الثلاثة الفائزة بانتخابات برلمان إقليم كردستان، استمرت نحو 300 يوم أي ما يقارب العشرة أشهر، والتي يمكن اعتبارها الأطول من نوعها في تاريخ الإقليم، وربما المنطقة أيضاً، ولدت حكومة إقليم كردستان برئاسة مسرور مسعود بارزاني في الـ10 من تموز الماضي، بعد الاتفاق على تقاسم السلطات والمواقع الرئيسة في الإقليم بين الأحزاب الرئيسة الثلاثة: الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني وحركة التغيير، وبعد منح الثقة لها من برلمان الإقليم بالأغلبية، وامتناع نواب أحزاب المعارضة من حراك الجيل الجديد، والاتحاد الإسلامي، والجماعة الإسلامية، عن التصويت لها.
الحكومة الجديدة المعلنة تضمنت 23 حقيبة وزارية، من دون وزارة الثروات الطبيعية والنفط التي ظلت شاغرة، حيث كان يشغلها في الوزارة السابقة آشتي هورامي الذي تلاحقه تهم بالفساد والتلاعب بعائدات نفط الإقليم وتهريبه طيلة تسلمه الوزارة، وتتهمه أغلب القوى السياسية الكردية بأنه سبب الانهيار المالي والاقتصادي وبوقوع الإقليم تحت ثقل ديون لا تحتمل، وأنه السبب في عدم تمكن الإقليم من دفع رواتب موظفيه، إضافة إلى أن الوزير لم يكن يحظى بثقة الحكومة المركزية في بغداد، حيث ترى قوى سياسية عراقية أنه عراب تهريب النفط لإسرائيل وتركيا.
آشتي هورامي، واسمه الحقيقي عبد اللـه عبد الرحمن عبد الله، يحمل الجنسيتين العراقية والبريطانية، كان نادراً ما يظهر في الوسائل الإعلامية، كما كان على الدوام محل خلاف بشأن أدائه بين نيجرفان بارزاني رئيس الوزارة السابقة، وابن عمه مسرور بارزاني، ويُنسب إليه صياغة اتفاقيات المشاركة بالإنتاج للعقود النفطية والغازية التي أبرمها الإقليم مع الشركات الأجنبية من دون علم وموافقة السلطات الاتحادية في بغداد! فقد أبرم مع المجموعة الروسية العملاقة «روسنفت» في الـ3 من حزيران 2017 اتفاقات نفطية لمدة 20 عاماً للمشاركة في إدارة وتطوير خط أنبوب تصدير النفط الرئيسي الذي يمتد من الإقليم عبر تركيا إلى أوروبا، رغم تحذير وزارة النفط العراقية «كل الدول وشركات النفط العالمية من التعاقد أو الاتفاق مع أي جهة داخل العراق من دون الرجوع إليها أو الحكومة الاتحادية»، وقد كشفت المجموعة الروسية في الـ14 من تشرين الثاني 2017، أنها «دفعت سلفة مقدارها 1.3 بليون دولار إلى سلطات كردستان، في إطار اتفاق وقع حديثاً لشراء النفط الخام»، كذلك أبرم الإقليم عقوداً مماثلة مع شركات نفطية، مثل «فيتول» و«بتراكو» و«ترافيغورا»، بمقابل قرض قيمته 4 بلايين دولار بضمان الصادرات.
آشتي هرب قبل يوم واحد من غلق مطاري أربيل والسليمانية إثر تداعيات قيام إقليم كردستان بالاستفتاء على انفصاله عن العراق، وأعلن عضو برلمان الإقليم سالار محمود في تصريح لصحيفة «الصباح الجديد» في الـ26 من تشرين الثاني 2017، عن أن «حملة لجمع التواقيع بدأت في برلمان الإقليم للضغط على السلطات، بهدف إعادة وزير الثروات الطبيعية الهارب آشتي هورامي ومساءلته وتقديمه إلى القضاء».
في بيان لها على فيسبوك، قالت جراخان رفيق عمر طليقة آشتي هورامي التي تحمل الجنسيتين العراقية والألمانية في الـ2 من أيار 2019: «سلمت جميع الأدلة التي تدين هورامي بالفساد إلى المحكمة الدولية في لندن»، و«سأكشف للعالم أجمع ولمواطني الإقليم من سرق أموال نفط الإقليم ومن المتورط الفعلي في هذا الملف». وقالت في بيان آخر لها في الـ26 من أيار 2019: «أتعرض لتهديدات بالقتل». ويوم الـ28 من أيار 2019 تعرضت جراخان لحادث مروري مروع في باريس أدخلها المشفى في حالة حرجة وهي تصارع الموت، فيما توفي أحد حراسها الشخصيين وهو تركي الجنسية.
في الـ20 من تموز الفائت أصدر رئيس وزراء إقليم كردستان مسرور بارزاني، أمراً بتعيين آشتي هورامي مساعداً له لشؤون الطاقة، محدداً صلاحياته بـ«متابعة تنفيذ قرارات وتوصيات وسياسات حكومة الإقليم في قطاع النفط والغاز بالتشاور مع رئيس مجلس الوزراء، وتقديم توصيات لرئيس مجلس الوزراء في مجال الطاقة، والتنسيق مع الجهات المعنية في مجال الطاقة في حكومة كردستان، وإنجاز المهام الخاصة التي يكلفه بها رئيس مجلس الوزراء، في قطاع الطاقة، وحضور اجتماعات المجلس الإقليمي للنفط والغاز وصياغة جداول أعمال الاجتماعات».
ما يثير الاستغراب أنه رغم كل الاتهامات الموجهة إلى آشتي هورامي، عاد إلى إقليم كردستان من دون أي مساءلة! وأسندت له مهام تتطابق وصلاحيات وزير الثروات الطبيعية والنفط، وأن القوى السياسية الكردية تجاهلت، حتى تاريخه، هذا التعيين، رغم اتهاماتها السابقة له، ترى هل إسرائيل وتركيا المتعطشتان إلى النفط العراقي والسوري المنهوب والمهرب وراء ذلك؟