مهرجان الطائرات الورقية الأول في بلدتي الدالية ومشقيتا … مبادرات فردية متواضعة تنثر الفرح في نفوس أطفالنا السوريين نحو حدود السماء
| سوسن صيداوي
«لتعرف اللـه أسعد وجه طفل»، وكيف إذا كان هذا الطفل هو الطفل السوري الذي عانى وشعر وتابع سني الحرب على بلده وكل آثارها البعيدة عن الإنسانية بما ألمت بالوطن من ويلات وخسارات ومفاجع مهولة، ويلات كبّرت ذهنية الطفل سنين، وحمّلته هموماً مع هلاوس وصراعات نفسية، وربما تصل إلى انكسارات فكرية هدّامة-حسب الحالات-جعلته ينسى الفرح وضرورة الأمل، مع العيش بالمستقبل نحو غد يجب أن يكون مشرقاً، ومن هذه الأسباب كان الدافع لإقامة مهرجان الطائرة الورقية الأول في بلدتي الدالية ومشقيتا، بمبادرات فردية متواضعة، ولكنها تكاتفت كي تنجح الفكرة التي هي اليوم مهرجان أول وانطلق من موقعين، مع أمل أن يُعمّم في العام القادم لينطلق فرحا وحبا إلى المحافظات السورية.
الدافع للمهرجان
أشار في بداية حديثنا أحمد عيسى صاحب فكرة المهرجان والمنفّذ-مع الداعمين-للأسباب التي دفعته لإطلاق هذه المبادرة مركزا على أهمية اقتحام عالم الطفل السوري لخلق محاكاة وتخيلات بعيدة عن الواقع الأزمي الذي أثر بطفلنا، متابعا «من أول الأسباب.. ومن دفعني إلى القيام بهذه المبادرة، ابنتي مريم، التي اعتادت أن تطيّر الطائرة الورقية وتلهو بفرح كبير مع أصدقائها في البلدة، ولكنها في هذا العام رفضت اللعب وقالت لي بالحرف: (أبي لن ألعب بالطائرة الورقية، فأنا مشتاقة لأصدقائي الذين سافروا من سورية إلى ألمانيا وكندا ومصر، كما أن معظم أصدقائي من أبناء الشهداء، وهم أولاد أصدقائك… لن ألعب وحدي)، هذه الكلمات دفعتني للتفكير والانطلاق من العبارة التي طالما عملت بها وهي تسكن قلبي (لتعرف اللـه أسعد وجه طفل)، وأخذت أسعى بجدية بأن أفرح قلب كل أطفال بلدة الدالية-والبلدات المجاورة- البلدة التي عانت كغيرها من المناطق السورية ويلات الحرب ومراراتها بالتنكيل والقتل والترهيب والتدمير والتشريد مع الكثير من شرور المجموعات الإرهابية وداعميها. وبالتالي انطلقت بالبحث عن ممول مادي وداعم من حيث المساعدة في الحصول على الموافقات المطلوبة، وذهبت لسوق الألعاب وحصلت على الطائرات المطلوبة، وانطلق المهرجان خلال أيام عيد الأضحى في أول محطة له، بمبادرة لنُشعر أبناء الشهداء والمهجرين وكل من يبحث عن فرح الطفولة-بغض النظر عن العمر-بأنهم محاطون بأشخاص يحبونهم ويقدمون لهم الرعاية والاهتمام، ولنؤكد لهؤلاء أن حدودهم السماء الزرقاء وهي ملكهم. وفي النهاية بساعات اللعب نحن نحرّض الذاكرة على الفرح، وأتمنى أن نكون قادرين على الإثبات للعالم أجمع، أن الشعب السوري نابض بالحياة التي ستستمر وسيكون طفلنا قادرا على إعمار مستقبل مطلوب».
الطائرة… ورقية
(لو فينا نرجع ونطير مع هالورق الطاير… تنكبر بعد بكير شو صاير شو صاير… طيري يا طيارة يا ورق وخيطان). من هذه الأغنية للسيدة فيروز، كان اختيار الطائرة الورقية لإطلاقها على مهرجانها الأول، وللمزيد كشف لنا عيسى قائلا «للأسف الشديد خرق طيران التحالف الأميركي أجواءنا واستهدف العديد من المحافظات ودمر البيوت، ولكن من هذه الأجواء السماوية نفسها نرغب بأن تكون هي الحدود لكل الأفكار والمخيلات لطفلنا، الذي يجب أن يرفع رأسه نحوها شامخا. وأنا اخترت الطائرة الورقية لينصرف الطفل السوري عن نفايات التكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعي المنتشرة، التي سخّرها الغرب لتسليته رغم تأثيرها-المصمم والمقصود-السلبي والضار بتنشئته ومداركه، وبالطائرة الورقية ليكون أفقه واسع المدى، وكي يرى الغيم ويشعر بالريح مع التمتع بجمال الطبيعة، بعيداً عن التشوهات المصممة التي ذكرتها والتي يجهد العدو خلالها لتشويه الذائقة البصرية لطفلنا. وأخيراً إن امتلاك الفضاء وتأمل الغيم وامتطاء الريح، حلم الإنسان الأول الذي تطور عبر السنين الموغلة في عمق الحضارات، والمهرجان دعوة كي يتذكر الأهل ولا ينسوا طعم الحياة، الذي يجب أن نعيشه قدر الإمكان في فرح وحب، وهذه الطائرة لكل السوريين الأهل والصغار ولكل الشرائح ليبتعدوا عن كبر العمر وسنيه وهمومه، وأطلقناها بدعوة كي تعيد كل سوري إلى حضن وطنه من جديد».
عن التصميم والمساعدات
المبادرات الفردية جميلة وضرورية لبث الحماس والسعي الجاد للتكاتف مع بعضنا، ليس بالكلام بل عبر الأفعال المؤثرة، وحول تنظيم هذه المبادرة وإطلاقها أخبرنا أحمد عيسى «لقد بدأت وحدي ولم أتمكن من تصميم الطائرات بنفسي، بل لجأت لسوق ألعاب الأطفال كي أنتقي منه ما يناسبنا سواء من حيث اللون أم النموذج، الأخير الذي تم اختياره على شكل نسر. وهنا لابد لي من القول إنني كنت محاطا بمجموعة من الأشخاص-السوريين الحقيقيين-الذين قدموا الدعم المادي لشراء الطائرات، والدعم اللازم للحصول على كل الموافقات المطلوبة، وغيره من الأمور التي كنا بحاجة لها أثناء إطلاق المهرجان من مواصلات لإيصال الأطفال، والمشروبات والمرطبات والوجبات الغذائية. كما أنني لمست الاهتمام حتى من العديد من الفنانين التشكيليين، سواء المقيمين في اللاذقية أم المغتربين ومنهم من أسماؤهم اخترقت العالمية، كالفنان التشكيلي كاظم خليل الذي وعد بأن تُطلق في العام القادم طائرات ورقية من تصميمه».
أعمار الأطفال
من الجميل أن الدعوة بداية كانت موجهة للأطفال، الذين لم ينتظروا طلوع شمس الصباح حتى حضروا في الموقع منذ الساعة السابعة صباحا، وخلال ثلاثة أيام من عطلة عيد الأضحى اجتمع الأطفال-في اليوم الأول- واستمتعوا «انطلقنا في الموقع الأول من بلدة الدالية، ورافقنا أطفال دون عمر السنتين إلى الخامسة عشرة، وحتى في الأيام التالية فاجأني شباب وصبايا هم في المرحلة الجامعية، جاؤوا إلى الموقع كي يمرحوا مع الأطفال، وما أسعدنا أيضاً أنه في اليوم التالي جاءنا الأطفال وطيّروا الطائرات بمشاركة الأهل. شارك في مهرجاننا أكثر من مئة وخمسين طفلا، وبصراحة نحن أعلمنا عنه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والتواصل عبر الأصدقاء والمعارف في المجتمع الأهلي المحيط، الأخير كما ذكرت كان داعما بكل ما أمكن، وخلال ثلاثة أيام اجتمع الأطفال وتحدّوا حرارة الشمس الحارقة والرطوبة العالية، وانطلقوا مع أحلامهم وفرحهم نحو السماء اللامحدودة. بقي أن أشير إلى أن المهرجان انطلق أيضاً من مشقيتا بلدتي، وهذه المبادرة الأولى لنا، وأخيراً أتمنى بأن تنطلق في العام القادم الطائرات الورقية لتعم كل المحافظات السورية مع صيحات وضحكات الأطفال وأحلامهم كي تلامس حدود السماء».