شكلت تركيا منذ الأيام الأولى للعدوان على سورية رأس حربة هذا العدوان، وظن المتسلط فيها رئيسها رجب أردوغان أن بإمكانه إحياء إمبراطورية بني عثمان الهالكة وأن سورية ستكون المدخل لتحقيق هذا الحلم. لكن سورية بصمودها وقوتها الدفاعية الذاتية والتحالفية سفهت الحلم التركي وردت كيد المعتدي إلى نحره.
لم يستوعب أردوغان الهزيمة ولم يقر بها أصلا وراح يبتكر المناورات ويحيك المؤامرات المكشوفة أو المستترة ممنيا النفس بتعويض الخسارة الأولى، ولما لم تفلح مناوراته توجه إلى روسيا التي كانت تبحث عن حلول للأزمة السورية وأوحى أنه مستعد للعمل معها ومع إيران من أجل ذلك، ورغم علم الدولتين بجرائم أردوغان قبلتاه ليعمل معهما في إطار منظومة أستانا الثلاثية، التي نشأت وعقدت اجتماعاتها الواحد تلو الآخر من أجل حل الأزمة في سورية.
كان كل اجتماع يخرج بمقررات لخدمة الهدف المعلن، وكان أردوغان ومع كل اجتماع يعرقل الوصول إلى قرار ثم إذا اعتمد قرار يمتنع عن تنفيذه أو ينقلب عليه ليعمل عكس ما تقرر. ورغم ذلك صبر الإيراني والروسي على السلوك التركي السيئ لأنهما كانا ينظران إلى الوضع بعين إستراتيجية ويجدان أن حلا مع تركيا أو حتى مع تحييد تركيا يبقى أفضل وأهون وأقل كلفة من حل من دونها أو بالعداء معها.
سورية ولثقتها بإيران وروسيا، كانت تقبل ما يتصل بهذه النظرة وتعطي الفرصة تلو الفرصة عل الأمر يستقيم في نهاية المطاف حتى كانت الجولة 13 في أستانا وقراراتها التي تعهدت تركيا بتنفيذها حرفيا. وهنا كانت الفضيحة حيث إن تركيا ومباشرة بعد أستانا 13 أوعزت لجبهة النصرة الإرهابية بأن ترفض القرارات وتمتنع عن الانسحاب من المنطقة العازلة، ثم عقدت مع أميركا اتفاقاً أقل ما يقال فيه أنه مناقض لأهداف أستانا المعلنة وانتهاك لسيادة سورية ووحدة أراضيها. مع هذا السلوك العدواني كان من المنطقي أن تنطلق تشكيلات الجيش العربي السوري لاستكمال عملية تحرير إدلب وقطع الطريق على مناورات المس بوحدة الأرض السورية ولتطهيرها من الإرهاب، وهنا سقط القناع كلياً عن الوجه.