قضايا وآراء

ترامب وسباق التسلح

| دینا دخل اللـه

یبدو أن الرئیس الأميركي دونالد ترامب یعطي الأولویة في برنامجه السیاسي والاقتصادي لسباق تسلح جدید مع روسیا، فقد أجرى البنتاغون مؤخراً تجربة على صاروخ متوسط المدى في جزیرة سان نیكولاس في بحر ولایة كالیفورنیا.
ربما كان المتفائلون یظنون أن انسحاب ترامب من معاهدة حظر الصواریخ متوسطة المدى مجرد «دلال دبلوماسي» هدفه الضغط على موسكو كي ترضخ لتنازلات في بعض مفاصل السیاسة الدولیة، لكن الأمر على ما یبدو أكثر جدیة.
الإسراع في التجربة الصاروخیة المذكورة يؤكد أن الولایات المتحدة تتطلع إلى تحقیق أهداف أوسع من مجرد الضغط على موسكو.
ربما كان الهدف الأول هو إيجاد شرخ بین روسیا وأوروبا، ذلك لأن السباق في إنتاج هذه الصواریخ یهدد أمن أوروبا القریبة من روسیا ولا یهدد أميركا، بدلیل أن ترامب حافظ على معاهدات الصواریخ طویلة المدى.
الیوم تجد روسیا نفسها بین نارین، فإذا قامت بالرد على أميركا وأجرت تجارب لإنتاج الصواریخ القصیرة والمتوسطة تكون قد أزعجت أوروبا مع العلم أنها تتطلع إلى تعزیز العلاقات مع القارة العجوز في إطار التوجه نحو تكامل روسي أوروبي في مجال الاقتصاد. أما إذا لم تكترث روسیا بالتصرف الأميركي فهذا یعني أن دفاعها سیكون قاصراً.
إضافة إلى ذلك یعمل ترامب لیس على إبعاد أوروبا عن روسیا فقط وإنما على ابتزاز الأوروبیین أیضاً، إذ إنهم سوف یجدون أنفسهم مضطرین لشراء الصواریخ الأميركیة القصیرة والمتوسطة.
وترامب بذلك یحقق أمرین، أوروبا ستضطر لتعزیز حلفها الأمني عبر الناتو مع واشنطن، وترامب سوف یرضي لوبي كارتیلات إنتاج السلاح في كالیفورنیا، وهذا الأمر الأخیر يحتاجه ترامب بشكل كبير في معركته الانتخابیة الحاسمة العام القادم، ومن المعروف أن تأیید منتجي السلاح له عامل مهم جداً في الانتخابات.
أما بخصوص روسیا فهناك قاعدة أميركیة شهیرة تقول إنك إذا أردت أن تفقر المجتمع الروسي فافرض علیه سباق تسلح قاس، عندها ستذهب ملیارات الروبلات من برامج التنمیة إلى إنتاج السلاح الذي هو، في النهایة، لا یسمن ولا یغني من جوع!
هكذا تعامل فرسان «سباق التسلح» الأمیركیون من أیزنهاور وحتى ریغان مع الاتحاد السوفیتي. لقد فرضوا علیه سباق تسلح مجنون مما اضطر موسكو إلى اقتطاع قسم كبیر من میزانیتها لتمویل إنتاج السلاح بدلاً من إنتاج الطعام.
الیوم یعید ترامب التجربة مع روسیا. صحیح أن روسیا الیوم لم تعد اشتراكیة ذات توجیه مركزي للاقتصاد، لكن النتیجة هي نفسها فمازالت الدولة مضطرة إلى تمویل سباق تسلح جدید حارمة بذلك الخدمات العامة من جزء كبیر من التمویل.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن