قضايا وآراء

التعثر السياسي

| مازن بلال

تؤكد الأحداث العسكرية الأخيرة في ريف حماة الشمالي أن الطبيعة السياسية للأزمة السورية مازالت متعثرة، فانحسار الإرهاب لم يكن نتيجة توافقات سوتشي أو توافق إقليمي أو حتى دولي، بل بفعل تحول الاهتمامات بشأن التوازن في سورية، فالمسار السياسي سواء عبر قرارات الأمم المتحدة، أم من خلال الإجراءات المرتبطة باللجنة الدستورية لم تتبدل، وفي المقابل فإن الرؤية الدولية تجاه «الداخل السوري» لا تزال محكومة بالمواقف التي ظهرت مع بداية الأزمة.
الصورة القائمة اليوم تطرح مسألة أساسية مرتبطة بشكل العلاقات السورية مع جوارها الجغرافي، فأنقرة كانت تتلمس خلال الشهرين الماضيين المساحة المتاحة لها للتحرك داخل الأزمة السورية، وهي رسمت أيضاً نوعية توازنها بين العلاقة مع روسيا ووجودها في حلف الناتو، فدورها الضعيف في معارك ريف حماة الشمالي يشير إلى توازنات جديدة، ويشكل مقدمة للتعامل مع ما يسمى «الدول الضامنة» التي أوجدت نقاط المراقبة التركية في سورية.
عملياً فإن المعارك الأخيرة هي أحد أشكال التعثر السياسي وعلى الأخص للقاءات «سوتشي»، وهذا التعثر قوبل بواقعية شديدة من الأطراف كافة، فباستثناء التصريحات التركية فإن المواقف المعلنة لم تصل إلى مرحلة التصعيد السياسي، وفي المقابل فإن «المنطقة الآمنة» في شرقي الفرات تشهد تحولاً مماثلاً، فهي تسير وفق سياق لا يوحي بتصادم سياسي على المستويين الإقليمي أو الدولي، فهناك تغيير في ميزان القوى تشهده سورية يسحب الأزمة نحو نقطة أساسية باتجاه الشمال الشرقي.
يمكننا هنا مقاربة التطورات بما حدث سابقاً عندما كانت أي محاولة باتجاه إدلب تستدعي استنفاراً دولياً، وأي تطورات في شرقي الفرات تتطلب تحركاً دولياً وإقليمياً، ورغم أن الحدث السوري الحالي لا يوحي بوجود توافقات دولية، إلا أننا أمام مؤشرين:
– الأول هو أن الحدث الميداني لم يعد يقدم أي عوامل على المستوى السياسي، فمنهجية الحل السياسي بقيت على السياق السابق نفسه، وتعثرها سيستمر لينتج الكثير من التفاوض على المستوى الدولي؛ بشكل يؤجل الحل ولكنه يمنع التصادم.
الحل السياسي الذي يبدو في عنوانه العريض توافقاً سورياً داخلياً يختلف في العمق كثيراً لأنه يريد رسم حدود الدور السوري، فموسكو وواشنطن تضعان الجغرافيا السورية على مساحة أخرى من الصراع، وأي تكوين سياسي داخلي هو أحد العوامل التي يمكن أن تتيح لواشنطن تحقيق إستراتيجياتها في شرقي المتوسط على الأقل، ومن هنا يمكن أن نقرأ التعثر السياسي للأزمة على أنه عدم القدرة على تحديد الدور السوري إقليمياً لواشنطن على الأقل.
– الثاني يرتبط بشرقي الفرات الذي يمكن اعتباره منطقة لـ«ترسيم» الدور السوري وفق المنطق الأميركي، فأي شكل سياسي مستقبلي، بما فيه «الـمنطقة الآمنة» سيبدل على المستوى المتوسط دور سورية الإقليمي.
لا تهتم الولايات المتحدة بالتغير الديمغرافي المتوقع فيما لو نجحت «المنطقة الآمنة»، وفي المقابل فإن تركيا تبحث فقط عن «المجال الحيوي» الذي يمنع دمشق من العودة إلى موقعها الإقليمي كبوابة للعبور السياسي إلى شرقي المتوسط عموماً، فالمسألة هنا ليست في نجاح أو إخفاق إيجاد واقع خاص في شرقي الفرات، إنما في كسر معادلة مكنت سورية سابقاً رغم جميع الأزمات من الاحتفاظ بموقع سيادي في الشرق الأوسط كان متعباً للولايات المتحدة.
التعثر السياسي للأزمة هو حالة طبيعية نتيجة التفكير الدولي في تحويل سورية إلى مساحات تحول دائم، وهذا الأمر لا يمكن تجاوزه إلا بتفكير سياسي مختلف بخصوص الأزمة وهو استحقاق سوري بامتياز، لأنه لن يكون في النهاية إلا نتيجة تفكير داخلي بمستقبل المجتمع وبدور سورية سنوات الحرب المريرة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن