ثقافة وفن

فراشات الأمس وزهرات الياسمين… نساء من أمتي … نساء نفخر بهنّ لغة وسيرة وإبداعاً… في بحث يبقى أفق العمل مفتوحاً لإضافات لاحقة

| سوسن صيداوي

«إن تاريخ الحضارة العربية يحفل بشخصيات نسائية كان لها طاقاتها الإبداعية في عصور تعبق برائحة الازدهار واليقظة والتقدم. ولابد لنا من وضعهنّ في دائرة الضوء لأنهنّ نساء مميزات في مخزوننا الفكري والاجتماعي، ولابد من تسجيل دورهنّ الريادي للمرأة المعاصرة، وما مرّ من تجربتهنّ الفكرية من تطور ملحوظ لم يكن إلا نتيجة طبيعية لكفاح طويل خاضته المرأة العربية في عصور كانت الحياة فيها صعبة وجافة». الكلام يعود للمؤلفة سليمى محجوب في كتابها الجديد (فراشات الأمس وزهرات الياسمين… نساء من أمتي)، الصادر حديثاً عن الهيئة العامة السورية للكتاب.
يتناول هذا الكتاب حياة عدد من الكاتبات العربيات قديماً وحديثاً، فيضيء جوانب من إبداعهن في الشعر والقصة والرواية، مبرزاً دورهن في إغناء دوحة الأدب العربي، والتعبير عن هموم المرأة وشواغلها، وواقع الأمة وطموحاتها، بأسلوب سهل، شائق، ممتع. يقع الكتاب في 343 صفحة من القطع الكبير، وللمزيد نقف عند بعض النقاط.

في المحتوى
لقد بزع نجم عدد من النساء اللواتي أبدعن في آفاق الأدب العربي، فملأن الأسماع باللحن الساحر كشاعرات، وبالصداح الآسر في القول والكتابة في مجالات النثر المتنوعة كالمقالة والقصة والرواية والدراسة والنقد وغيرها. فكنّ فراشات الماضي وزهرات ياسمين وجدان الأمة. وتتابع المؤلفة سليمى محجوب في بحثها «في كتابي هذا استضفت نساء عبّرن بحرية عن ذواتهن ومجتمعهن فكراً وأحاسيس، لم ينزوين في غرف مقفلة، ولم يغلقن أصواتهن بمفاتيح الأنوثة التي كانت تفرض على المرأة تقاليد عمياء، إنهن مبدعات سعين بثقة وكفاح عنيد كي يتبوأن موقعهن الطبيعي في دنيا الوجود، فحققن وجودهن الإنساني الخصيب، لقد ارتدين عبير القول والإبداع، بلا وجل ولا انكسار، فأتحفننا بكنوز مخبوءة بتفاصيل غنية عن حياتهن وعصرهن، ضمن عطاء فكري وأدبي.
من هنا جاءت دراستي في هذا الكتاب لأنصف أولئك النجوم المتناثرة على تلال التاريخ. وقد رأيت أن من حق تلك النساء من أمتي أن يقدمن إلى الأجيال العربية مهما تلاحقت زاهية في أصداء ذاكرتهم، تنير لهم عتمة الطريق، وقدرة اللغة العربية وديمومتها الرائعة على حفظ تراث مضى، وحاضر أتى، كي يحذو القادمون حذوهنّ، ويسيروا على مسارهنّ».

إبداع الفكرة
عن سبب البحث والانطلاق في تأليفه تشير الباحثة إلى أن السبب هو الإهمال في هذا الجانب بإبراز وضع المرأة العربية فكرياً بعيداً عن منطقة الظل التي وضعوها فيها، فتتابع «علينا ألا ننسى أن هناك عدداً من الأسماء النسائية التي تبوأت مكانة بارزة في كل عصر من عصور الحضارة العربية الإسلامية، وأثبتت وجودها في مجالات عديدة من حياتنا وتاريخنا الفكري والأدبي، فكنّ فراشات الماضي وزهرات الياسمين. في كل زاوية ومنعطف من الواقع والفكر، من التاريخ والحاضر، يفاجئنا حضور المرأة ولا يزال، هذا الحضور يسري في حياتنا مثل نسغ هو ترياق لهذا الوجود». وأيضاً تضيف في مكان آخر«بأن المرأة العربية استطاعت أن تدخل مساحات إنسانية خضراء مع الحياة، ومع خلجات النفس، في عالمها أسرار ومشاعر وأحاسيس، وإيحاءات تحمل إبداعها لتصبه في أشكال مختلفة من الحياة الاجتماعية والأدبية والنضالية، محملة بواقعها تارة وباغترابها أحياناً، وبأحلامها التي تأبى أن تضيع على أرصفة وشواطئ من دون أن تمدّها بخيال مجنح، وتصوغها بدلالات وإيجابيات تشع في فضاءات ذات أبعاد مختلفة. وقد كان الأدب نتاجاً اجتماعياً يستمد من جذوره مضيفاً إليها ما يقدمه كل مجتمع من إمكانات استكمال لما نقص ويصحح مسار الأمة ما يتناسب ومتطلبات التطور عبر مسيرة الزمن».
ما يتضمنه الكتاب

وعن المحتوى الذي سرق من المؤلفة سليمى محجوب كل وقتها وجهدها المبذولين إلى حين رأى النور، تحدثنا في مقدمة كتابها عما ضمه البحث من أسماء لشهيرات من النسوة برزن عبر مراحل التاريخ مثبتات فكراً نيّراً هادفاً، لتقول «بكل إعجاب استوقفتني أسماء شهيرات من أولئك النسوة اللواتي خلّدهن التاريخ. نسمع أصداء تتردد عن وجودهن ولكن لا يعرف هذا الجيل من أخبارهن وإبداعهن إلا النذر اليسير، وهذا ما دفعني لأن اقتحم محراب تلك الشهيرات لأستقرئ صفحات من تاريخهنّ ولأصل إلى وضوح نسبي في سيرتهن الذاتية، وفي إنتاجهن وما خلفنه من آثار.
لقد استضاف هذا الكتاب عدداً منهن حققن مساحات من النجاح ووردن دروباً طال مشوارها وأثبتن إبان مسيرتهن أن الحياة لا تسير على عكاز واحدة ولا تشرب من نهر واحد ولا تثمر بفرع واحد ولا تنهض بساق واحدة هي الحياة، وفيها مشت المرأة إلى جانب الرجل في الساحة الثقافية في مجالات عديدة من حياتنا وتاريخنا».
هذا وقد حفظ الكتاب في طي صفحاته بعضاً من الأسماء وهن عدد من النساء الشهيرات والشاعرات المبدعات كالخنساء وليلى الأخيلية في العصرين الإسلامي والأموي، وعليّة بنت المهدي في العصر العباسي، والمحدثة الشاعرة تقية الزمنازية في العصر الأيوبي، وعائشة الباعونية الشاعرة المتصوفة في العصر المملوكي. وفي ربوع الأندلس طالعت الباحثة سليمى أسماء كثيرة من الأديبات والشاعرات ومنهن ولادة بنت الخليفة المستكفي في عصر بني أمية، وحفصة الأركونية في عصر الموحدين من ملوك الطوائف، ونزهون الغرناطية وغيرهن ممن كشفن عن عواطفهن في الحب والحياة.

في الختام
ختمت المؤلفة مقدمة كتابها بكلمة توجهها لقرائها «أرجو أن يكون عملي هذا جهدا متواضعا في أفق الحركة النسائية التي تزينها فراشات في الماضي ويعبق فيها شذا زهرات الياسمين في حاضر الأيام والسنين، وربما أكون قد أضفت شيئاً إلى المكتبة العربية، وأكون قد أنصفت نساء من أمتي التي أفخر بها لغة وسيرة وإبداعاً، فيما يبقى أفق العمل مفتوحاً للإضافات اللاحقة».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن