ثقافة وفن

الكتاب.. المعلم

د. اسكندر لوقــا

كما نعلم فقد تعددت منابع المعرفة في الوقت الراهن وإلى حدّ لم يكن ممكناً تصوره قبل نصف قرن أو أكثر بقليل، فبالأمس البعيد، نسبياً، كان الكتاب جليسنا، ولكن بعد كثرة وتعدد وسائل نقل المعرفة إلى الناس، وآخرها القنوات الفضائية ومواقع التواصل الاجتماعي، بات واضحاً أن الكتاب قد فقد شيئاً من مكانته وتحديداً في المكتبة المنزلية. ويوماً بعد آخر يبدو الأمر متجهاً نحو طغيان وسائل نقل المعرفة بعيداً عن الكتاب. ومن هنا بات التنبّه إلى هذا المسار في الشأن الثقافي أمراً ضرورياً لأن الحصول على المعرفة يكاد يصبح في زماننا الحالي أمراً كيفياً إن صح القول ولا يتطلب أي جهد أكثر من تحريك إبرة المذياع أو الانتقال من قناة إلى أخرى بسهولة شرب كأس الماء.
والتنبه هنا يتطلب، بطبيعة الحال، أن نعمل جاهدين، وبفاعلية مسؤولة كي نعيد للكتاب مكانته بين أشيائنا الخاصة في المنزل، لأنه يبقى الأقرب إلينا في سياق البحث عن معلومة لا تزول مع زوال الصوت أو الصورة من أمام أعيننا أو سمعنا. وبذلك يبقى الكتاب هو المعلم الذي يبقى بيننا ومنه نتعرف على ما يعنينا من ضروب المعرفة ولا نكون مقيدين بما يقدم إلينا من الآخر، وكلٌّ على هواه أو كما يراه ويفهمه.
كما عايشنا الكتاب في الخمسينيات من القرن الماضي، أذكر أنه كان المصدر الذي يكاد يكون الوحيد بين مصادر المعرفة. ومن أوجه المنافسة بين رواد المكتبات الخاصة أو العمومية، كان كم هو عدد زياراتها؟ وكم كتاب جرى اقتناؤه أو تصفحه؟ وما مقدار المعرفة التي جناه زائر المكتبة أو مقتني الكتاب؟ وبعد بضع سنوات قليلة، كما نرى اليوم، بات الكتاب في منأى ومتتبع المعرفة في منأى آخر. وهذا ما يدفعنا للبحث عن وسيلة أو أكثر للحفاظ على الكتاب كثروة لا تقدر بثمن سواء عن طريق البرامج المدرسية أم جعله متاحاً للقراء ذوي الدخل المحدود، وبعيداً عن منظور الربح غير المبرر في كثير من الحالات التي نراها اليوم. ومعرض دمشق القادم قد يكون فرصة لجعل الكتاب في كل بيت من بيوتنا باعتماده وسيلة للنفع العام لا وسيلة للربح فقط.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن