منذ البداية، كان هذا رأي الرئيس بشار الأسد: من يمد حتى رؤوس أصابعه إلى رجب طيب أردوغان كمن يمد رؤوس أصابعه الى… الثعبان!
دعونا نضيف: كمن يمد رؤوس أصابعه إلى الشيطان!
ماذا تعني الصفقة الأخيرة بينه وبين دونالد ترامب؟ أن يبقى القهرمانة بين يدي زبانية الإدارة، لطالما رأوا فيه المثال الصارخ للتقاطع الفرويدي بين الدونكيشوتية والمكيافيلية، وأن يضطلع بالدور إياه على الأرض السورية خدمة للإستراتيجية الأميركية، لا بل إن معلومات خليجية تشير إلى لقاءات عسكرية واستخباراتية عقدت، في الآونة الأخيرة، بين مسؤولين أتراك ومسؤولين إسرائيليين، تم خلالها «بلورة رؤى مشتركة» في مسائل إقليمية حساسة.
لاحظتم توقيت الغارات الإسرائيلية على محيط دمشق. تماما إثر تحرير خان شيخون، بل بعد انتزاع طريق دمشق- حلب من مخالب قطّاع الطرق بإدارة العرّاب العثماني. ألا يليق به لقب… الحاخام العثماني؟
ما حدث على الأرض أصاب الرئيس التركي بالهذيان. أطلق صيحات الاستغاثة للحلفاء الأطلسيين. أين أنتم… الأمن القومي التركي في خطر؟
لعله لا يقرأ ما يكتب عنه في الصحف الأوروبية – لاعب السيرك الأرعن- ما من دولة إلا وترى فيه الشخصية النرجسية الضائعة بين لوثة التاريخ ولوثة الأيديولوجيا. يسألون ما إذا كان السلطان يبغي أن يدق أبواب فيينا ثانية بعد أن يضع يده على المعمارية الإستراتيجية في الشرق الأوسط.
الأمن القومي التركي، هو وحده صاحب العيون العرجاء. ألم يشاهد الأطلسيون آلياته ودباباته على الأرض السورية، وقد هبت لمؤازرة تلك القبائل الهمجية و… الهجينة؟
الرجل بدا وحيداً في تلك اللحظة، ربما كان يتصور أن تنطلق التوماهوك لنجدته، وأن تتوجه حاملات الطائرات إلى المتوسط لفك الحصار عن نقطة المراقبة في مورك، نقطة مراقبة أم جبخانة ضد أصحاب الأرض؟
أردوغان لم يلتزم أياً من بنود الاتفاقات- ثابر على التصرف كما لو أنه سيد اللعبة- الكل بحاجة إليه، الكل يدور حوله، قبل أن يضرب الجيش السوري ضربته. حتى في تركيا يقولون إن الرئيس السوري زعزع أركان القصر الرئاسي في أنقرة. اضطراب داخل المؤسسة العسكرية أدى إلى استقالة 5 جنرالات.
الرجل الذي لعب في الدم، حاول أن يلعب في الوقت. غريب أن يصل بالغطرسة إلى أقصى حدود الغباء. علي باباجان الذي كان إلى جانبه، وهو من أعاد هيكلة الاقتصاد، نصحه بإلحاح، بألاّ يعيد الانتخابات البلدية في إسطنبول «لأن الرياح تمضي في اتجاه آخر»، ألقى بالنصيحة جانباً، وكان السقوط المدوي في المدينة التي كان يعتبر أنها تجسد مسيرته المقدسة نحو الباب العالي.
أكثر من جهة قالت له «لا تراهن على دونالد ترامب. هو من يمتطي ظهرك لا العكس». بتلك النرجسية المريعة، ظن أنه خدع حلفاء سورية، وأنه صاحب الأوراق الذهبية لا الأوراق المحترقة. الحلفاء، ومن دون الحاجة إلى الأشعة ما تحت الحمراء، كانوا يدركون أنه صاحب الوجه المزدوج. حين دقت الساعة، كانت الصدمة الكبرى. راح يصرخ.
لم يعلم أن الخطوط الحمراء تحيط به من كل حدب وصوب، عارياً وحائراً وسط الحلبة. كيف له أن يتصرف في أثناء القمة الثلاثية؟ ليست أوراقه وحدها التي تتناثر. هو أيضاً يتناثر.