ثقافة وفن

لسورية أحبابها وقيامتها

| إسماعيل مروة

أثبتت الحرب التي تجري على الأرض السورية بما لا يقبل الشك أن سورية مستهدفة بتاريخها وإنسانها وثرواتها، بحضارتها ورقيها، بساحلها الذي حطت فيه رحلات الفينيق، وكانت الحضارة الأهم بالرقة التي اختارها الرشيد لتكون مستقراً ومقاماً له، بحلب التي ينسب إليها إبراهيم عليه السلام، إلى أن كانت الثغر والشوكة في مجابهة الروم، وصولاً إلى مرج دابق، بأذرعات وحوران التي كانت ولا تزال أصل مسيحية الشرق، وهي من المناطق القليلة في العالم التي حافظت على هويتها وتعددها وتنوعها، وصولاً إلى تدمر العظيمة التي أرهقت الدولة الرومانية حتى تمكن أورليان من أسر سيدة الشرق زنوبيا، وإنهاء الدولة الحضارية الأكثر أهمية في تاريخ الشرق، وغابت المرأة الملكة التي لم تغلبها عاطفتها، ولم تسيرها غريزتها، وإنما كانت الملكة والقوية، ولم يفتّ بعضدها أي شيء، مروراً بحمص التي كانت ثغراً ومواجهة، فاختارها خالد، ولا يعني ابناً للوليد أو ابناً ليزيد لتكون تربتها حاضنة له، وجزيرة سورية التي كانت ملاذاً للأرمن عند الإبادة، ومسكناً للديانات الشرقية الأصيلة، واختتاماً بدمشق التي يروي ياقوت الحموي تاريخها العظيم الممتد إلى ما قبل ابن آدم، التي أسست للمسيحية والإسلام في شارعها المستقيم، ثم أطلقتهما للعالم، رسالتي محبة.. بهذا التاريخ الذي نستذكره كانت سورية هدفاً، فإن كانت مدائن العالم من القاهرة إلى بغداد إلى القيروان وقرطاج والدار البيضاء والرياض معروفة الباني، فمدائن سورية عصية ولا يعرف بانيها، وكل حضارة تدّعي أنها من بنى، فتأتي الحضارة الأسبق لتتنازع فضيلة بنائها..!
لم يدرك كثيرون لماذا بقيت سورية؟
بل لن يعرفوا الآلية التي ستنهض بها سورية!
سورية بقيت بأبنائها ومحبيها
سورية ستنهض بأبنائها ومحبيها
حتى تستعيد أنفاسها ستنهض من دون مساعدة الأغراب
حتى تسترد عافيتها سيبنيها أبناؤها البسطاء، وتعود أكثر جمالاً.
لو قدر لواحد أن يتجول في المناطق السورية التي عادت إلى طبيعتها، فإنه سيلاحظ أن الحياة صارت عادية، وأن السوري أعاد بيته، وبدأ ترميمه، وانتهى من تجهيزه، وأعاد إليه الحياة والألق، ولم يجلس متسولاً ينتظر جود الآخرين، وهناك دراسات تظهر أن نسبة مقبولة من المدن والقرى قد عادت كما كانت وأفضل، بل إن الإنسان السوري، وهذا هو الأهم عاد إلى طبيعته المحبة الحنون القادرة على الاستقبال والعطاء.. أرأيتم غير السوري يجهز مزرعته في أثناء الحرب وبعدها، ويستمر في التحسين والزراعة من دون توقف؟! بل الغريب أن السوري في الحرب يزرع ويصدّر ويطعم بعض الشعوب المترفة، التي تدعو بالدمار له، في الوقت الذي يعجز أولئك، وهم في الرفاهية عن فعل أي شيء مما يفعله السوري!
أرأيتم غير السوري يريد أن يرجع إلى وطنه، ولو كان منزله مدمراً بغض النظر عن التشويه الإعلامي الذي يمارسه بعض السوريين الذين كانوا مدللين ومسيطرين هنا قبل الحرب، على الرغم من جهلهم وتخلفهم! وبغض النظر عن الضغوط الإقليمية والدولية التي تمارس على السوريين لعدم العودة، وذلك في إطارين، الأول يوجه ضد الدولة السورية، والثاني من أجل مصالح تلك الدول التي تتسول على حساب السوريين، ولولا أنها حملت قميص السوريين اللاجئين لانهارت اقتصاداتهم ودولهم منذ زمن، لكن السوريين سيعودون، ويبنون بلدهم، والدولة السورية ستثبت للعالم أنها تحتوي السوريين، وأنها تفخر بهم وبإنجازاتهم في الداخل والخارج.
سورية ستعود أفضل مما كانت ليس بمؤتمرات الإعمار، وليس عن طريق الهبات والقروض من الدول، لذلك لم تفلح شروط الدول التي تظن أنها ستقوم بالإعمار على الدولة السورية، بل إن سورية ستعود بأبنائها ومحبيها.
بالأمس القريب تحاورت مع صديق يعمل في مؤسسة تطوعية عالمية، وشرح لي بالأرقام والتواريخ والوقائع أن ما يتم صرفه عشوائياً من المنظمات الدولية يبني دولاً، لكن الغايات والأهداف مختلفة لديهم، ومنظمته أنجزت مشروعات مهمة تطوعية بمبالغ بسيطة للغاية، وهذا يظهر الغايات الحقيقية، وقال لي: بمجرد أن ترتفع يد الإرهاب والتدخل والحظر فإن السوري سيتمكن من إعادة الإعمار خلال سنوات قليلة، إن وجدت الإرادة، وإن كان التصميم رائداً، فسورية قادرة على بناء الدول التي تدّعي أنها ستموّل الإعمار، وبعيداً عن الضوء والإعلام والادّعاء يعمل محبو سورية من أبنائها ومن غيرهم، وبالأمس سمعت متحدثاً يعشق سورية فوق كل حد، ومستعد لبذل كل حياته من أجل سورية، وقد رأيته في حوار على الشاشة يستطلع الآليات التي يمكن أن يكون فيها سورياً ومحباً لسورية.. ومثله العشرات ممن نعرف أو لا نعرف وقد استمعنا إلى كثيرين خاصة بمناسبة اجتماعهم في دمشق لحضور فعاليات معرض دمشق الدولي.
وبعد كل ذلك ألا نثق بأن سورية قادمة وبقوة؟! وحتى تعود لابد من انتشار الحب، ومحاربة الفاسدين المرتبطين بالخارج والمتربصين بسورية وغدها، ولابد من استنفار الطاقات الكبرى حتى لا يكون السوري غريباً في نهضته!
ستنهض سورية بأبنائها ومحبيها ولن تحتاج لأحد
غدها بالمنتمين من أبنائها
غدها بطرد الشوائب والطحالب
غدها بابنها المؤمن بها، المتجذر فيها
لم يضحِ بها ولا يفعل
لم يتنازل عن كبريائها
ولا يرى نفسه دون عظمتها وكبريائها

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن