قضايا وآراء

المساحة الروسية للأزمة

| مازن بلال

قدمت القمة الروسية التركية تفاهمات الأمر الواقع، فأنقرة التي بدلت أولوياتها بخصوص إدلب غير مستعدة لتغيير أي توجه بخصوص المنطقة الآمنة، وموسكو في المقابل تسعى لرسم مساحات مرنة لتعاملها مع أنقرة، فمواقف الطرفين بدت متجاوبة مع التداعيات ومع أولوية عدم التصعيد بينهما لإنقاذ مشروع اللجنة الدستورية.
الجانب الآخر للتفاهمات الروسية التركية هو الحفاظ على خريطة التحالفات والتوازنات القائمة إقليميا، فقلق موسكو ينبع من بوابة التوتر الأميركية، ومحاولة واشنطن لاستخدام المنطقة الآمنة كخط مواجهة جديد مع روسيا، وهو ما دفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تقليل احتمالات أي تصعيد معتبرا أن هذا الإجراء سيحافظ على وحدة سورية، وفي هذا الموقف مؤشران:
الأول يرتبط بالحدود بين سورية وتركيا والتي خضعت خلال المرحلة الماضية لسيطرة «قسد» بمساندة أميركية، على حين تقدم المنطقة الآمنة حالة مختلفة على مستوى العلاقات، فتجعل هذه المسألة بين دولتين وقابلة للتفاوض على الأخص عبر أقنية الأمم المتحدة.
رؤية روسيا هي الحد من صراع النفوذ في شرق الفرات، وضبط المنطقة عبر صيغ أمنية يمكن أن تنحسر تدريجيا، فتركيا التي حققت مكسبا عبر المنطقة الآمنة ستتحول لاحقا إلى صيغ التفاوض لأن المنطقة الآمنة هي إجراء وقتي، ومن المكن العودة لاحقا إلى اتفاقات أضنة التي تتيح علاقة أمنية لتركية في تلك المنطقة وليس علاقة نفوذ.
الأمر الثاني هو قدرة موسكو على رسم نهاية مقبولة لمسألة إدلب، فالمرحلة القادمة تحتاج إلى تنسيق مختلف على أقل في مستوى إبعاد «هيئة تحرير الشام» من معادلة القوى المسيطرة في إدلب.
المسألة بالنسبة لروسيا منذ اللقاءات الأولى في أستانا كانت تهيئة مناخ لخروج المجموعات المسلحة، ووضع أطر سياسية متدرجة تغير خريطة انتشارهم عبر تفاهمات مع أنقرة بالدرجة الأولى، فهي تراعي نوعية العلاقات التي تربط أجهزة الاستخبارات التركية بهذه المجموعات، وتتعامل مع هذا الأمر على أنه عامل مساعد في «تفكيك» بؤر الإرهاب بشكل تدريجي، فالاتفاقات التي تم انجازها بالتنسيق مع تركيا كانت أنجح من تلك التي تم الاتفاق عليها مع الولايات المتحدة بخصوص الجولان وحوران، فالأولى أمنت حتى الآن استقراراً واضحاً في مناطق المصالحات، على حين لم تتمكن الأخيرة من ضمان عدم التصعيد لأن الميليشيات المسلحة المنحلة أصبحت من دون مرجعية سياسية واضحة، وتتحرك عشوائياً وأحياناً وتصفي حساباتها في الظل.
رغم محاولات الحفاظ على التوازن الحالي لكن مسألة السير في العملية السياسية تبدو أعقد بالنسبة لموسكو، فالطرف المعارض يبدو اليوم أضعف من أي وقت مضى، على حين لا تبدي الدول الأوروبية رغبة في إعادة الدعم السياسي لهذه الميليشيات، وفي المقابل فهي مستمرة في موقفها المعادي للحكومة السورية، وهذا التعقيد ينعكس بشكل مباشر على تشكيل اللجنة الدستورية، وإمكانية نجاح مهمتها في فتح بوابة السياسية، فالانتصار العسكري لا يدفع الأطراف الغربية إلى تلمس مسارات سياسية جديدة، بينما تبقى موسكو متمسكة باللجنة الدستورية لأنها ستجر الأطراف الدولية إلى التعامل السياسي من جديد مع الأزمة السورية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن