يستقي عالم الأخبار عوامل قيامه من الحاجات البشرية، بدءاً من غريزة الفضول التي يسعى أغلب بني البشر لإثرائها بطريقة أو بأخرى، وصولاً في تطوره لبناء الوعي الجمعي، الذي بدوره يرتبط بسياسات وعقائد ومصالح النخبة التي تدير وسائل الإعلام، سواء أدارتها بمهارة أم بأساليب بدائية.
وكما في الزمان الغابر حتى أيامنا هذه، تحاول المجتمعات أن تفرز زعماءها، لكي تحملها مسؤولية قيادتها للحرب أو السلم، للرخاء أو الدمار، كما يجري أحياناً، وأن يتشكل القادة بمعزل عن رغبة مجتمعاتهم، فيقودون بالترهيب والترغيب، نتيجة امتلاكهم التفوق المادي أو العددي.
لكن الإعلام قائد أفرزته الحاجة البشرية، وطورته المجتمعات التي تريد أن تتطور، وحولته لأداة بيدها في وجه خصومها وأعدائها، كما استثمرته في تلبية حاجات جماعية في سياق مسيرة نموها وتقدمها.
ورغم أن الإعلام تحول إلى سلطة، إلا أن سلطته في العديد من المجتمعات استمدت نفسها من الناس، وحكم القانون، والحاجة للمساءلة والمكاشفة، ذلك أن تطور المجتمعات لا يتم في جزر منعزلة، وعندما بدأ الإعلام يصبح وسيلة في هذا الاتجاه، تحول أيضاً إلى وسيلة محاسبة أيضاً.
هذا يجعله أداة معقدة الإدارة، ويحوله لمصدر جدل دائم، وخصوصاً حين نتحدث عن المجتمعات المتعثرة النمو كما مجتمعاتنا العربية، فيقع على عاتق هذا الإعلام المساهمة في استقرار الدولة ومصالح النخبة الحاكمة، وتنمية الشرائح المجتمعية، وتهيئة الفرد وتطويره ولكن ضمن إطار العمل تحت سلطة الخطوط الحمر، وكثرة الجهات الوصائية، وحساسية الأجهزة المختلفة لكل ما يقال وكل ما ينشر.
أيضاً فإن الإعلام، هو أداة لتجسيد عللنا البشرية والمجتمعية، فالإنسان الذي بدأت المعرفة لديه بغريزة الفضول، هو كائن ملول أيضاً.
هذا الكائن في كل مكان من أرجاء المعمورة، يحتاج للإنعاش فيما يتعلق بغريزته تلك كل فترة، ومن ثم على وسائل الإعلام التي تريد الحفاظ على متابعته، أن تأتيه بجديد.
ووفقا للمصطلح الرائج يجب أن يكون الموضوع مثيراً وشائقاً كاصطلاح.
هذا ما كان يوصف به الخبر السوري في العام 2011 وفي العامين التاليين، تماماً كما هي حال أخبار مصر وتونس وليبيا.
وبعد أن احتلت سورية الواجهة ظل خبرها هو الأول، حتى تمطمطت حربنا وتشعبت، ففقد الجمهور الاهتمام، بكل بساطة، وباتت وسائل الإعلام بحاجة لشد متابعيها لأحداث أخرى، بغض النظر عن أهميتها أو امتدادها العام على أحداث العالم الأخرى.
وفيما يشكل هذا خبراً لأطراف بشكل عام، أي تراجع الاهتمام والتعاطف مع قضيتهم، فإنه قد يعني العكس بالنسبة لأطراف أخرى معنية بذات القضية، لكونه يزيل ثقلاً عن أكتافهم، ويحول الاهتمام ومن ثم الضغط الإعلامي والنفسي والسياسي باتجاهات أخرى.
أما بالنسبة للصحافي، فثمة من يربح، حين يجد موضوعاً جديداً يثير فضول المتابعين، وهنالك من ينزوي على نفسه بيأس، وخصوصاً إن كان مؤمناً بالقضية التي لم تعد في موقع الاهتمام الأول أو الثاني أو حتى في أي موقع اهتمام بالنسبة لوسيلته الإعلامية أو جمهوره.
هذه الحال تصف تماماً حال الكارثة البيئية والأخلاقية الناتجة عن معمل إسمنت طرطوس. ببساطة الخبر قديم.