ثقافة وفن

بين المعرفة والادعاء

| د. اسكندر لوقا

اثنان لا يختلفان، في تصوري، حول مصادر المعرفة على أنها ليست في الكتب، مدرسية وغير مدرسية فحسب. فالكتاب عبارة عن مدخل إلى المعرفة بل أول الطريق إلى المعرفة الشاملة. وثمة العديد من خريجي المدارس والجامعات، على سبيل المثال، كالواقفين على شاطئ البحر الواسع الذي تتجاوز أبعاده مدى البصر. الكتاب عند طلاب المعرفة يشكل بداية طريق إلى المعرفة بأبعادها المختلفة اللامتناهية. ومن هنا لم تعد القراءة أو الكتابة كافية لتعريف المعرفة التي غدت، بالمفهوم الموضوعي رسالة بيد من يمتلكها سواء أكان من ساكني الدول المتوسطة أم الغنية ولكل رسالة، بطبيعة الحال، غايتها.
ضمن هذه الاعتبارات، يأتي الادعاء بالمعرفة الشاملة لوناً من ألوان العمل ضد المعرفة بمعناها الحقيقي والموضوعي، هذا فضلاً عن كون الادعاء يغدو شكلاً من أشكال التغطية التي يلجأ إليها المريض النفسي، على سبيل المثال، ليعوّض نقصاً يشعر به بينه وبين نفسه. ومن هنا تتولد النماذج التي قد تواجه أياً منا في أي مكان وفي أي وقت.
إن الادعاء بالمعرفة بلا حدود إن صح القول ينقصه ما ينقص اللوحة الفنية بلا بعدها الثالث، كما ينقص الصدى في حنجرة المغني، واللحن في الأغنية، وفي غير ذلك لا يكون للمعرفة لون أو حضور، حتى إذا كان الكلام صادراً عن حامل شهادة عليا، لأن المعرفة أشبه ما تكون، من حيث المبدأ، كما الجسم القابل للمس، ويزداد قرباً من الناظر إليه كلما ازداد وضوحاً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن