الأولى

نحو السلام مع الولايات المتحدة

| تييري ميسان

نفذت الولايات المتحدة منذ بداية عام 2001 خطة رامسفيلد – سيبروفسكي الرامية إلى تدمير هياكل الدولة في جميع بلدان «الشرق الأوسط الموسع»، والتي أسفرت عن تدمير الدولة الأفغانية، والليبية، واليمنية بالكامل، في حين صمدت الدولة العراقية جزئياً، ووحدها الجمهورية العربية السورية ما زالت قائمة.
انتخب دونالد ترامب بعد إعلان عزمه على وضع حد لهذا الجنون الإمبريالي، وتعهده برفع مستوى معيشة الطبقات الدنيا من الشعب الأميركي من خلال استبدال الحرب بالصفقات التجارية، وظل مواظباً على تحقيق هدفه منذ عامين ونصف، على الرغم من كل الشتائم التي انهالت عليه من معسكره، وتلقيه مساعدة حذرة من روسيا.
هاهو بعد أن تمكن من تقويض دويلة داعش «السنية»، التفت إلى دويلة كردستان «روجافا» وقوضها هي الأخرى، وهو يأمل أن ينجح في فرض ثورته «الإصلاحية» على وزارة الدفاع رغم أن جميع جنرالاتها قد تم تعيينهم من قبل الرئيسين السابقين جورج بوش الابن وباراك أوباما، لقيادة الإستراتيجية الحالية القاتلة للولايات المتحدة.
علّقت تركيا، تحت تأثير الدبلوماسية الروسية، تعريفها كدولة «سنية» وعادت إلى قوميتها الكمالية، وأعادت فتح المفاوضات مع عبد اللـه أوجلان.
الأمر نفسه ينسحب على إيران التي علّقت تعريفها كدولة «شيعية» وأعادت ارتباطها بقومية محمد مصدق، ووقفت في وجه الإمبريالية البريطانية خلال أزمة الناقلات.
كل شيء أصبح جاهزاً أمام القوى التي تتحارب على الأراضي السورية للتوصل إلى السلام.
سوف يلتقي الرؤساء فلاديمير بوتين، وحسن روحاني، ورجب طيب أردوغان في السادس عشر من الشهر الجاري، في حين سيلقي الرئيس دونالد ترامب في التاسع عشر منه خطاباً في الجمعية العامة للأمم المتحدة بمناسبة انعقاد دورتها الثالثة والسبعين.
إذا التزم الجميع بوعودهم، فلن تُمسَ حدود الجمهورية العربية السورية، لكن سيتم تحييد البلد، وقد ينجم عن ذلك موازنة القواعد العسكرية «الشرعية» لروسيا بمواقع أميركية دائمة، هي في الوقت الحالي، «غير شرعية»، وربما لن يعبر أي خط أنابيب البلاد، سواء كان قطرياً أم إيرانياً، وقد تتمكن روسيا من استغلال المواد الهيدروكربونية، لكن بالشراكة مع الولايات المتحدة، كما قد يعطى الضوء الأخضر لإجراء المصالحة السورية في جنيف، عند صياغة دستور جديد للبلاد.
صار بوسع الجيش العربي السوري تحرير محافظة إدلب بالكامل، من دون أي اعتراض من قبل الجيش التركي، بل على العكس من ذلك، تمكنت الولايات المتحدة، بفضل معلومات المخابرات التركية من قصف مقر قيادة تنظيم القاعدة دعماً للجيش العربي السوري، كما قامت الولايات المتحدة في الوقت نفسه، بتفكيك تحصينات دويلة كردستان الانفصالية، مع تعزيز قواعدها العسكرية، لاسيما قاعدة الحسكة.
مع استمرار الحصار المفروض على سورية، والذي يجعل من المستحيل إعادة إعمارها في الوقت الحالي، سمحت الولايات المتحدة لدولة الإمارات العربية المتحدة بالقدوم إلى معرض دمشق الدولي الحادي والستين لجس النبض حول الدور الذي يمكن للولايات المتحدة أن تلعبه لاحقاً.
بحسب الرئيس ترامب، لم يكن الرئيسان السابقان، جورج بوش الابن، وأوباما يمثلان الشعب الأميركي، بل كانا مدافعين عن مصالح الشركات الكبرى العابرة للأوطان، وكم سيكون من الظلم، حسب قوله، أن ترفض سورية مشاركة الشركات الأميركية الحقيقية في إعادة الإعمار.
فقط، من خلال فهم أبعاد ثورة الرئيس ترامب «الإصلاحية» التي يقودها في بلده ضد النفوذ غير القانوني للقوى المالية الكبرى، سيكون من السهل إجراء المصالحة بين سورية والولايات المتحدة، وهذه المصالحة شرط أساسي لإحلال سلام دائم في سورية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن