قضايا وآراء

المخاض عسير والعالم يتغير

| سيلفا رزوق

بإعلانه عن نهاية حقبة السيطرة الغربية، قص الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رسمياً الشريط أمام بداية مرحلة دولية جديدة لم تتضح ملامحها النهائية بعد.
التصريح الفرنسي الذي لم يأخذ صداه جيداً في الإعلام الغربي ولا حتى العربي، والذي جاء على هيئة مراجعات فرنسية أوروبية لسلسلة من الارتكابات بحسب المفهوم الغربي، كشف عن كيفية وصول أوروبا إلى هذه المرحلة من «الضعف»، والتوصيف هنا جاء أيضاً على لسان الرئيس الفرنسي.
السيطرة الغربية التي كرستها نتائج الحرب العالمية الثانية، تشارف على الانتهاء، لكن البدائل الغربية ليست جاهزة حتى الآن على ما يبدو، وخصوصاً أن الأدوات القديمة للهيمنة يجري التخلي عنها علانية، فالرئيس الأميركي دونالد ترامب وصل وهو يحمل شعار «التخلي عن العولمة»، التي شكلت السلاح الغربي الأميركي الأقوى للسيطرة على العالم لعشرات السنين، والتي اختبأت تحت عناوين براقة من «الديمقراطية والتنوير» وغيرها، لتتحول أميركا وعلى حين غرة لأكبر «المعادين» لهذه العناوين، ويخرج من بلاد العم سام شعار «أميركا أولاً» ودون مهاجرين.
ترامب الذي شكل ظاهرة بحد ذاته من حيث الشكل وطريقة الخطاب، حاول ومن خلاله النخب الحاكمة في أميركا، الدفع باتجاه تغيير المعادلات الدولية السائدة، والتي كانت تتغير على نحو سريع يدفع أميركا لمزيد من التراجع الاقتصادي والسياسي.
تغيير المعادلات انعكس تشكيكاً أميركياً بجدوى الناتو، وبجدوى التحالف مع أوروبا الضعيفة، وتطلب إعلان الحرب التجارية مع الصين، وأخرى صاروخية تكنولوجية مع الصين أيضاً وروسيا، وذهبت واشنطن نحو تأزيم الوضع مع كوريا وإيران وفنزويلا، وتقديم الدعم لاستكمال الحروب المشتعلة أصلاً في الشرق الأوسط، ليبدو العالم على نحو سريع يقف على حافة حرب عالمية ثالثة، حذر منها مراراً الأمين العام للأمم المتحدة.
تغيير البوصلة الأميركي من «شرطي العالم»، إلى الدولة التي تستثمر قوتها بالضغوط والتأثير، ودون إنفاق المليارات، لم يمكن أميركا من حصد النتائج المرجوة، فالاصطدام جاء سريعاً، بحقيقة أن القوة المحركة في العالم تتجه شرقاً، لتقف الصين التي تحتفل قريباً بذكرى تأسيسها السبعين، بكل براعة أمام الحروب التجارية وغير التجارية الأميركية، وليكشف تحالفها مع روسيا القادمة بقوة نحو المياه الدافئة، عن قوة ناشئة جديدة قادرة على إحداث التوازن الذي يحتاجه العالم والوقوف جيداً في أي مواجهة منتظرة.
التفاصيل التي خرجت عن المواجهات الهامشية للولايات المتحدة وأتباعها وحلفائها، أكدت وعلى الملأ أن العودة إلى الوراء لم تعد واردة، فمن كان يظن يوماً أن تدخل بريطانيا العظمى في مواجهة بحرية مع إيران تنتهي على النحو الذي انتهت إليه، ومن كان يتوقع هذا الدخول الأميركي المباشر والتهديد العسكري الواضح على مشارف فنزويلا الجارة القريبة يحصد هذه النتائج المخيبة لواشنطن، وليس بعيداً وإذا ما عدنا إلى الأرض التي نقف عليها اليوم أين أصبح المشروع الأميركي في سورية؟ وكيف تبدو ملامح نهايات الحرب عليها، ومن هي الدول التي تتحكم اليوم حقيقة بمفاتيح الصراعات المفتوحة في المنطقة، وكيف صارت روسيا اللاعب الذي لا غنى عنه في الشرق الأوسط ومعها إفريقيا؟
في الأول من أيلول مرت الذكرى الثمانون للحرب العالمية الثانية، واليوم ومع بلوغ الحرب العالمية الجديدة ذروتها، نقف على أعتاب عالم آخر، ربما يحلو للبعض تسميته «متعدد الأقطاب» وربما يحلو للبعض الآخر تسميته «عالم بلا أميركا»، وبطبيعة الحال فإن الذهاب نحو المقولة الثانية، لا يزال بعيداً وغير واقعي، لكن الأكيد أنه ومن بين كل هذه الصراعات والتفاصيل، لا بد لنا نحن أبناء هذه المنطقة من طرح الكثير من التساؤلات الوجودية، وأولها أين نحن من كل هذا؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن