قضايا وآراء

إسرائيل تعترف: جبهة الشمال تحولت لخطر وجودي

| تحسين الحلبي

«التحدي الوجودي الجديد الذي تواجهه إسرائيل» هو العنوان الذي اختاره العميد المتقاعد من الجيش الإسرائيلي غيرشون هاكوهين لبحث نشره أمس الأربعاء في مركز «بيغين السادات للدراسات الإستراتيجية» وكان قد ترأس سابقاً الكليات العسكرية.
يرى هاكوين أن «الربيع العربي في السنوات العشر الماضية أتاح لإسرائيل التمتع باستراحة إستراتيجية جعلت الكثيرين من الخبراء في شؤون الأمن يتوصلون إلى اعتقاد بأن إسرائيل لم تعد تواجه خطراً وجودياً، ولكننا حين نرى كيف بدأت حرب «الربيع العربي» تقترب من نهايتها ها نحن نجد تحدياً وجودياً جديداً يظهر على طول حدود شمال إسرائيل وجنوبها في القطاع».
يحذر هاكوهين من خطر تزايد القدرات العسكرية المنفتحة على بعضها في الشمال لدى سورية والمقاومة اللبنانية وإيران واستمرار دعمها العسكري واللوجستي في صناعة الصواريخ لسورية وحزب الله، ويعترف بالصعوبة البالغة الآن للتخلص من كل هذه القدرات، وبأن «إسرائيل تواجه لأول مرة منذ اتفاقية كامب ديفيد مع مصر عام 1979 الاحتمال الواقعي لمجابهة على عدة جبهات في وقت واحد من جنوب لبنان ومن سورية ومن قطاع غزة إضافة إلى عمليات عسكرية في داخل الضفة الغربية».
يوضح أن هذه الجبهات ستعتمد على حرب إطلاق الصواريخ على أهداف إسرائيلية من البنى التحتية الإستراتيجية مثل قواعد سلاح الجو والمراكز العسكرية ومحطات الطاقة والمراكز السكنية، وهذا ما يجعل إسرائيل «تجد نفسها، بموجب ما يقول، تحيط بها النيران من كل الجهات، ويضاف إلى ذلك دور قوات الحشد الشعبي من العراق»، ولا يستبعد هاكوهين في بحثه إمكانية اختراق عدد من المقاتلين المسلحين من المقاومة اللبنانية في جنوب لبنان إلى داخل مستوطنات الشمال.
ويتفق رئيس الحكومة سابقاً إيهود باراك مع هذه الاحتمالات حين يقول: «إن الأخطار الخارجية على إسرائيل أصبحت كثيرة وهي تتطور ولا يجب أبداً التقليل من شأنها»، لكنه رغم هذا الاستنتاج «لا يعدها خطراً وجودياً على مصير إسرائيل، ومع ذلك يحاول هاكوهين تأكيد وجهة نظره بوجود خطر وجودي، فيرى أن قوى جهة الشمال ستستند في مجابهتها على الاعتماد لسياسة المراحل ضد إسرائيل.
حرب الاستنزاف التي شنها الجيشان المصري والسوري من جبهتين عام 1968، من جبهة القناة ضد خط بارليف للتحصينات الإسرائيلية في الضفة الشرقية لقناة السويس ومن جبهة حدود الجولان المحتل ضد مواقع الجيش الإسرائيلي، شكلت المرحلة الأولى لحرب تشرين عام 1973، وهذا ما أشار إليه هاكوهين حين ذكر أن الخطر الوجودي الجديد هو في هذه المراحل والنهاية التي ستصل إليها، ويستنتج في نهاية بحثه أنه «وعلى المدى الطويل يمكن لهذا الوضع الراهن أن يتحول إلى تأثير استنزافي مستمر فيولد لإسرائيل فشلاً في نظام حصانتها فيكبح تقدمها ونجاحها ويتسبب بتآكل الأمل عند الشعب اليهودي بوطن آمن ومزدهر.
في هذه الخاتمة التي يضعها يسلط هاكوهين الضوء على أن إسرائيل تمر الآن بأزمة وجود وليس أزمة أمن وتفوق وقدرة على الصمود فقط.
في واقع الأمر، تعرضت إسرائيل إلى حرب استنزاف من أطراف وقوى الجبهة الشمالية في سورية ولبنان منذ اجتياحها عام 1982 للأراضي والسيادة اللبنانية، وتصدت لها في ذلك الوقت مجموعة قوى كانت قاعدتها سورية وجيشها المنتشر على الأرض اللبنانية وكذلك القوى الوطنية والإسلامية اللبنانية وفصائل المقاومة الفلسطينية، وتشكلت من هذه القوى قدرة استنزاف لم تتوقف ضد قوات الاحتلال على الأرض اللبنانية خلال 18 عاماً توجتها بتحرير جنوب لبنان عام 2000، وانتقال المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله إلى مرحلة استنزاف جديدة انتهت بانتصار تموز 2006 وتصاعد قوة محور المقاومة الذي اتخذ من سورية قاعدته الأساسية.
في هذه المرحلة التي يمثلها انتصار سورية وحلفائها في الحرب التي وصفها هاكوهين بأنها «أتاحت لإسرائيل استراحة إستراتيجية»، ازدادت قدرات جبهة الشمال وتمتنت وحدة مجابهتها لكل أشكال العدوان الإسرائيلي بل الأميركي في الوقت نفسه وهذا ما يؤكده هاكوهين في بحثه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن