ثقافة وفن

فرحٌ عامرٌ يغمر معرض الأطفال الثاني.. لبناء الأوطان وتقدّمها… دعوة للأهالي لتعليم أولادهم الرسم والموسيقا

| سوسن صيداوي

ألوان ضاجة.. فرح عامر.. أمل مشرق، كلّها تتماوج صارخة نحو الغد. فرح طفولي لا يوصف انتشر بين جنبات المركز الوطني للفنون البصرية بدمشق، بمناسبة عرض لوحات ومنحوتات لأطفال شاركوا بورشة للرسم والنحت. كلّ من المركز الوطني ومرسم «شغف» اهتما بالورشة التي دامت شهراً بمشاركة نحو مئة وأربعين طفلا. الورشة عنت بتحقيق الأحلام والدفع إلى الأمام بطموحات طرية لأطفالنا ضمن وعاء من حرية الإبداع المطلوب، منطلقين من فكرة: دعوا أطفالنا يعبّروا عن ذواتهم، فليس ضرورياً أو من الصحة أن يكونوا نسخة عنكم بأهوائكم وأحلامكم، فبالنهاية أطفالكم ليسوا لكم أنهم أولاد الحياة، فدعوها هي تعلّمهم وتكبّرهم وتحتضنهم.
إذا.. أفكار عبّر أطفالنا عنها بالريشة والألوان.. رائعة مثلهم تماما، ببساطتها وفرحها وعفويتها.. وللمزيد «الوطـن» قامت بالتغطية وإليكم التفاصيل:

دَعوهم لنا
رئيس مجلس إدارة المركز الوطني د. غياث الأخرس ومن خلال هذا الورشة، دعا الأهالي إلى تعليم أولادهم الرسم والموسيقا من أجل تقوية وعي الطفل، مؤكداً أن بناء الأوطان وللتطوير في سورية -على الخصوص- يكون بالاتجاه نحو هذه الثقافات، متابعاً: «في البداية أوضح نقطة جدّ مهمة، وهي أن (الورشة) ليست مرسماً أو صفاً مدرسياً، بل هي مقترح للتداول والنقاش من دون فرض آراء أو نظريات، وأيضاً من دون القيام بأي تصحيح، وذلك من أجل خلق حوار لتحقيق المشروع المشترك فيها بين الأساتذة والطلاب، وهنا نؤكد أنه لا يجوز التصحيح في الورشات، لأنه بمجرد القيام بهذا الفعل نكون قد قيّدنا خيال المتلقي وجعلناه متوجهاً ومحبوساً ضمن آفاق حُددت له. وبالطبع هذا الأسلوب هو المتبع في المركز الوطني ولا يمكن أن نبدّله، لأنه الأسلوب الأوروبي المعاصر». مضيفاً: إن نتائج الورشة كانت بالعديد من اللوحات والمنحوتات التي رسمها أو شكلّها الأطفال بحب وفرح ضمن إطار رحب من الإبداع بعيداً عن التلقين، لافتاً: «هذا ولقد لاحظت تغييراً كبيراً بالأطفال الذين شاركوا معنا، وخصوصاً أن أسلوب أساتذة الورشة مرن جدا، لكونهم لم يعطوهم موضوعا محددا لرسمه، بل يتم طرح الموضوع من خلال قصص لإثارة خيال الطفل، مع إرشادهم من دون أن يتم الفرض عليهم في الأسلوب أو الطريقة، وحتى لا يتم التصحيح لما يرسمونه، ونحن في نهاية الورشة قررنا عرض منتجات الصغار التي بصراحة دُهشت كثيراً لإبداعهم فيها، فهناك لوحات جدّ رائعة، ولابد من الإشارة إلى أن هناك أطفالاً لديهم ذاكرة بصرية أكثر من الآخرين، إضافة إلى التفاوت في اهتمام الأهل ورعايتهم. وبقي أن أشكر أساتذة الورشة لكونهم انضموا للورشات في المركز انطلاقا من إيمانهم بالأطفال وبالهدف السامي منها، بعيداً عن التفكير في المردود المادي، وهذا وللأسف الشديد على نقيض باقي الأساتذة أصحاب الخبرة والأسماء اللامعة في الفن التشكيلي».
الحرية في واسع المكان

من أساتذة الورشة حدثنا سليمان القوصي وهو في السنة الرابعة بكلية الفنون الجميلة- اختصاص حفر وطباعة، عن أهمية الفنون في تربية الطفل وتقويم سلوكه، وقال: «هي تهذيب للنفس وهذا بغض النظر إن أصبح الطفل فنانا بالمستقبل أم لا، حيث يكتسب الأطفال مهارات زيادة عن الأطفال العاديين والذين لا يمارسون أي طقس فني، وأنا أشجع الأهل أن يأتوا إلى المركز الوطني كلما سنحت الفرص كي يشاركوا، فهذه الورشة هي امتداد للورشات التي نقوم بها في مرسم (شغف) وأتينا للمركز لتستمر الورشة حوالى الشهر». مشيراً إلى أن الأطفال المشاركين متفاوتون بالأعمار، حيث تتراوح أعمارهم بين أربع سنوات وسبع عشرة، والإقبال كان جيداً: «لقد كان العدد مناسباً، وتمكنا من التحكم بالأولاد بمجرد التعرف إليهم وإلى طريقة تفكيرهم، وبالنهاية الورشة كانت ممتعة وشعر فيها المشاركون بالحرية في المكان الواسع بالمركز، فمنهم من افترش الأرض ومنهم من جلس تحت الطاولة مستغرقا بين ألوانه ورسوماته، حتى إنهم كانوا ينفصلون عن العالم الذي نحن فيه وهم فقط بين رسومهم ولوحاتهم، وأخيراً أحب أن أشكر المركز الوطني بكادره الذي وفر للورشة وللأطفال كل المتطلبات من دون أي تأخير، كما ساعدونا بالتنظيم وغيره من الأمور الأخرى».

منهجية الورشة
بينما لفتت المشرفة على الورشة ريم الحايك وهي خريجة فنون جميلة- حفر وطباعة، وحاليا طالبة ماجستير بعلم الاجتماع، إلى منهجية هذه الورشة وهي الثانية في المركز الوطني: «منذ نحو عامين ونصف العام، ونحن نعمل في مرسم (شغف) في دمر على تطوير مهارات الأطفال في الرسم، أما هنا في المركز الوطني فأقمنا ورشة في العطلة الانتصافية من العام الفائت، والآن هذه الورشة الثانية، الأخيرة التي هي أفضل بكثير من الأولى، لكونها تعتمد على منهجية بالتعامل مع الأطفال حيث قمنا بتقسيم الأعمال وفق الأعمار والأبعاد النفسية والاجتماعية، إضافة إلى التنظيم، فمن (شغف) شارك نحو مئة وأربعين، ومن المركز شاركنا نحو أربعين طفلا». وعن الصعوبات بالتعامل مع الأطفال أوضحت الحايك أن التعامل مع الطفل سهل ممتنع، ولكن كل المخاوف تزول بمجرد بناء علاقات ود معهم وبالتعرف على طريقة تفكيرهم وميولهم، لكن المشكلة الأصعب والتي يجب تجاوزها هي تدّخل الأهل في إبداع أطفال، لتقول «لابد لنا من التمييز بين الأهل المثقفين والغير، فالمثقفون نلاحظ جهودهم كي يكسبوا أولادهم كل المهارات، وحتى إنهم يقدّرون كل ما نقدمه لهم من إمكانيات ويعتبرونها ذات قيمة. على حين الأهل غير المثقفين فنياً، وجدنا معهم الكثير من الصعوبات، حتى إنهم لم يسمحوا للطفل بأن يتصرف براحته أو يرسم وفق أهوائه الخاصة، بل فرضوا نظرتهم عليه بأن يرسم وفق نظرياتهم وأسلوبهم، بمعنى أن يفرضوا علينا وعلى الطفل المواضيع بعيداً عن التفاصيل التشكيلية، فهم يتصرفون وفق عُقد المجتمع كي يكون الطفل نسخة عنهم».

الدعوة عبر وسائل التواصل
وبينت لينا أباظة- وهي من فريق الأساتذة بالورشة- وهي خريجة فنون جميلة في اختصاص النحت أن الدعوة كانت إما عن طريق التواصل والاتصال بالأصدقاء وإما عبر صفحات الفيسبوك، وقالت: «الإعلام لم يساعدنا في نشر الخبر بشأن الورشة، وكان الإقبال بناء على تجربة الأطفال الأولى، ومن خلاله كان القرار بأن يعيدوا التجربة للمرة الثانية».
كما لفتت أباظة إلى أن اتساع المكان في المركز الوطني كان أحد العوامل التي ساعدت على احتواء نشاط الأطفال، وتابعت: «أمّن المركز لنا المكان المناسب والواسع، وحتى بمرسم (شغف) الأمر نفسه، وبالنسبة للمتطلبات الأخرى، فلقد قام كل من المركز و(شغف) بتلبيتها انطلاقاً من أهمية هذه الورشات في تنمية مدارك الأطفال وتوسيعها، وليُنفّس الطفل عن الضغوطات التي يواجها بداية من المنزل حتى من المجتمع، ومعنا يتعلم الطفل أن يكون حراً ويبدع في أفقه من دون أي قواعد صارمة، وأخيراً لقد أثروا فيّ كثيراً وعلى الخصوص أطفال فئة خمس السنوات وحتى من هم أصغر، وجعلوني أقول: لماذا لست مثلهم أو أتعلم منهم».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن