ثقافة وفن

محطات ثقافية في الذكرى الأولى لرحيل حنا مينة

| د. راتب سكر

-1-

احتفى كثيرون – وأنا واحد منهم- بالذكرى السنوية الأولى لرحيل «عراب الفرح الإنساني» الأديب حنا مينة الذي غادر دنيانا الفانية في آب 2018.

-2-
قبل عشر سنوات من رحيله شارك في غير نشاط ثقافي في حمص وحماة، ومن ذلك محاضراته في رباح والسقيلبية وحماة.
واجهت اللجنة الثقافية التي تنظم استقباله في مؤسسة أهلية الطوابع مصاعب في استقبالها الأديب الكبير حنا مينة بعد أن استقبلته السقيلبية قبل مدة بالطبل والزمر، وجعلت رباح من استقبالها له تظاهرة ثقافية على مستوى محافظة حمص، من تلك الصعوبات أن من أخذ على عاتقه اصطحابه من الفندق في حمص إلى حماة صباح الجمعة في اليوم التالي لعشائنا الحمصي، تعرض لوعكة صحية طارئة حالت دون تحقيق المراد، والوقت لم يعد يسمح لواحد منا بالسفر ذهابا وإيابا، فلا بد من حل بإيجاد شخص من أهل حمص لهذه المهمة، وحضر حنا مينة مع أصدقائنا من حمص كان مصحوباً بالحب والرعاية من جمهور أحبه وعشق رواياته واسمه.
كل شيء سار بما يخفف من قلق المنتظرين، ووصل إلى القاعة المخصصة للقاء، وقد غصّت بالحاضرين، لتكون حماة محطة في حياة الروائي الكبير.

-3-
زرته غير مرة في مراحل دراستي في جامعة دمشق في النصف الثاني من السبعينيات، في مكتبه بوزارة الثقافة عارضا أمامه اهتمامي بكتابة الشعر والمقالات الأدبية، مكتشفا كل مرة أنني أمام أستاذ كبير، وقد تبين لي يوماً بعد يوم أن الشعور بأستاذيته العالية يكاد يعم المشهد الثقافي السوري، فلما علمت أنه لم يتجاوز مستوى الشهادة الابتدائية في دراسته، عجبت من ذلك حتى ترسخت قناعتي بأن الأستاذية العالية لا تقوم على ورق الشهادات بقدر ما تقوم على قراءة مكونات الوجود والعالم في دفاتر الحياة.

-4-
في عام 1984 زار حنا مينة حماة والسقيلبية، مشاركا في افتتاح مركز ثقافي جديد بإحدى قرى الغاب، وتحول الافتتاح بحضور السيدة وزيرة الثقافة اللامعة د. نجاح العطار وشخصيات رسمية وثقافية واقتصادية إلى احتفاء واسع لمحافظة حماة بضيوفها الكرام، وقد كرمني اللـه بوجودي قرب الأديب المحبوب حنا مينة.
وقد تكررت مثل هذه الظواهر الثقافية في حياتنا معمقة مكانة هذا الأديب في القلب والعقل والوجدان.

– 5-
لما أُنجزت رسالة ماجستير بإشرافي العلمي المتواضع، في دراسة صورة الآخر في رواياته، تكرم بحضور جلسة المناقشة العلنية للرسالة عام 2004، ورتبنا موعدها في يوم عيد ميلاده الثمانين، ورتبت صاحبة الرسالة احتفالا لائقا بإنجازها رسالتها وعيد ميلاد الأديب الذي درست رواياته، حضره نحو ستين شخصاً من فعاليات الجامعة والمجتمع في قاعة دوار المهندسين، فكان النهار مزداناً بألق منحته باقة ورد كبيرة للتهنئة موقعة بالاسم الجميل للصديق عيسى عبود دلالات مودة خاصة.

-6-
شاركت في مؤتمر علمي بجامعة فيلادلفيا الأردنية ببحث متواضع عن رواياته، فلما أنجز الأديب د. عبد الله أبو هيف كتابه عن نقد أدب حنا مينة، منح بحثي المقدم في المؤتمر المذكور عناية كريمة من دراسة كتابه.

-7-
ذكرت الاسم الجميل لحنا مينة في المقطع الخامس والأخير من قصيدة نثرية بعنوان «استمرار» ضمها ديواني الذي فخرت به دائما، واعتز به معظم أصدقائي المقربين «أبي ينحت الحجر» الصادر عن اتحاد الكتاب (1994) في الصفحة 108، وفيه:

«لا يوجد «برلمان» في البحر
لكنه يرقص باستمرار
فخورا بأبطال «حنا مينة»
بالأساطيل… بالقراصنة
بالمسافرين البسطاء
بالمراكب المنتشية
بدماء القبائل
بالصَدَف والمحار
ومن يعرف إذاً
كيف يجد البحر
كل هذا الوقت الكافي
للمزاح مع تماثيل الشاطئ
بلا برلمان ولا حكومات..

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن