منذ أربعة أعوام، وبمجرد ما بدأت بمشاهدة سلسلة تلفزيونية باسم «إمبراطورية الممر الخشبي»، قادني فضولي لمقارنة ما يقدمه العمل الدرامي الاستثنائي، بالواقع الفعلي.
غطى العمل المكون من عدة مواسم، عشرين عاماً تقريباً في الثلث الأول من القرن الماضي، هي فترة صعود وهبوط سياسي ورجل أعمال أميركي اسمه نكي تومسون، شخصية تستند تقريباً بكل تفاصيلها لأخرى حقيقية اسمها نكي جونسون.
الرجل الذي يصل إلى مستوى غنى فاحش يتسلق سلم الثروة والسلطة، مستفيداً من قرار الحكومة الأميركية الشهير في عام 1920 بمنع تداول الكحول، استيراداً وتصديراً وتصنيعاً، وهو ما قاد بالطبع لازدهار مجتمع الجريمة في الولايات المتحدة، مستندة أولا لتهريب الخمور من الخارج، أو تصنيعها بشكل غير قانوني، وبالتالي بحث الشبكات الإجرامية الكبرى عن توسيع نفوذها وأعمالها عبر تهريب مواد أخرى كالمورفين والكوكايين من الصين.
يقدم العمل تلك الفترة باعتبارها بوابة عصر حكم العصابات المنظمة في أميركا، التي شهدت ظهور كل أنواع المافيات العسكرية الأميركية الصرفة والإيرلندية واليهودية والصينية والسوداء.. وغيرها.
ورغم أن تومسون أو جونسون في الواقع، يصبح نجماً سياسياً، وهو ما يأتي طبعاً مع المال والسلطة، ويعرف بكونه من أكثر الفاسدين حصانة، إلا أن صورته بين الناس، في مدينته أتلانتك سيتي تظل جيدة، فهو بسعيه لتبييض أمواله، من تجارة الكحول والمخدرات والدعارة، يستثمر أطناناً من العملة الورقية في السياحة والتنمية والبنية التحتية لمدينته.
وبعد أربع سنوات من ذلك العمل المذهل، شاهدت عملاً وثائقياً متين البنيان، عن شخصية لا تختلف كثيراً عن تومسون.
يحمل العمل الذي بثته شبكة ترفيه عالمية عنوان «الرائد»، في إشارة إلى تألق صاحب سيرته، إلا أن جيل خيسوس السياسي الإسباني، وعمدة جزيرة ماربيا الشهيرة، بين أعوام 1991 و2002 لم يكن أقل فساداً من مثيله الأميركي، وهو بذات الوقت لم يكن أقل شعبية، لدرجة أنه حين توفي في عام 2004 عن 71 عاماً، مشى في جنازته عشرون ألف شخص.
وخيسوس، بسيرة قصيرة هو محول ماربيا وقسم كبير من الجزر المشابهة في إسبانيا، لجنات سياحية باتت معروفة للعالم كله كنقاط استقطاب للأثرياء والمشاهير.
ولأنه طموح، وقطار مندفع كما يوصف، فإن القانون، والبيروقراطية، وكل ما يتعلق بحقوق الناس والضعفاء، وحق الدولة كحق عام، لم يكن له أي قيمة عنده.
كان يحلم بأمرين، أن يصبح أكبر، ثم أكبر ثم أكبر، وأن يبني ويبني ويبني.
هذا مع العلم، أنه بنى مطعماً بسرعة قادت لانهياره بيوم افتتاحه على نزلائه، ما تسبب بمقتل العشرات، وفي طريقه لبناء سمعته اشترى نادي أتلتيكو مدريد بصفقات وهمية تجاوزت حينها المليار بيزو بعملة تلك الأيام، وسجن مرتين، وخرج بعفو أكثر من مرة، ولوحق طوال حياته من مجموعة كبيرة المحامين والسياسيين الخصوم والناشطين «الشرفاء».
لكن كل ذلك لم يثقل على خفته في صعود سلم النفوذ والسلطة، بحيث كان يعاد انتخابه في كل مرة بأغلبية ساحقة كرئيس لمجلس بلدية ماربيا.
من أقواله المأثورة: إن وقفت السلطات في وجه طموحك مرة تلو المرة، ترأس السلطة وتنته مشاكلك.
من جهته وضع المسلسل الأميركي السابق شعاراً دعائياً له يصلح لكل الأزمان وكل البلدان «حين صار الكحول ممنوعاً، صار كل المجرمين (المهربين) ملوكاً».