متخوفة جداً من مستقبل الفن التشكيلي بعد الأزمة … سارة شما لـ«الوطـن»: سورية قدمت وتقدم الكثير للفنانين القادرين على بناء جسر بيننا والبلدان الأخرى
| سوسن صيداوي- ت: طارق السعدوني
هل الموهبة وحدها تكفي؟ أم دائماً يجب أن تُحتضن بكل الدعم والاهتمام المطلوبين؟ مع المصادفات وتقاطع المواعيد التي توثّق العلاقات وتوطدها كي تساهم كلّها بصقل الموهبة ومساعدتها في التكوين على الانتشار والاستمرار. هي خُلقت لتكون رسامة ومحترفة، البعثرة اللونية التي أفرحت قلب سارة شمّا، وملأت ساعات لهوها الطفولي، ساهمت بملاحظة من أهلها أنه من الضرورة بمكان أن يمتلئ فكر هذه الطفلة بما هو ضروري، كي تشتد أناملها في رسم خطوطها لتكون ثابتة وتبقى ألوانها نقية معبرة عن خيالاتها المسافرة إلى البعيد والأمور التي يراها البعض لا معقولة، بين الدماء ومعجون (العلكة) شكّلت أعمالا في علّية منزلها، ومن بعد نسخ لوحات لأهم الفنانين التشكيليين في سن الشباب، اليوم في طور الشباب الناضج أعمالها واسمها بمصاف العالمية، يعبّر عن تأملاتها وجرأتها في رسم نفسها أولا، حتى لو كانت مشوهة أو مكسورة ومثقلة بالهموم، سارة شما الفنانة التشكيلية حلّت ضيفة في الصالون الثقافي لجمعية تاء مبسوطة، الأخيرة التي تعنى بأمور المرأة وتسعى إلى أن تُطلقها بالمجتمع السوري المثقف عبر أدوات تمكينٍ لتكون امرأة سورية مميزة وفاعلة، وللحديث أكثر سنورد لكم تفاصيل ما دار خلال الجلسة التي امتدت نحو ساعتين وكان من بين الحضور متفردا ومميزا الناقد الأستاذ سعد القاسم.
من جانب الفنانة
في بداية الحديث عبرت الفنانة التشكيلية سارة شمّا عن سعادتها لوجودها في الصالون الثقافي لجمعية تاء مبسوطة، مؤكدة الدور المهم لريادة المرأة في المجتمع السوري في كل المجالات وبمسؤوليتها في هذا الوقت، ومن ثم انتقلت للحديث عن بداياتها في عالم الألوان والخطوط والشخوص، مشيرة إلى أنها لم تكن سهلة ولكنها كانت محظوظة باحتضان عائلتها لها وبالاهتمام المدروس لصقل موهبتها مع توجيه إبداعها وفق مسار صحيح فعل فعله، «لم تكن المسيرة سهلة ولكنني محظوظة جداً بعائلتي لكونها الداعم الأكبر لي، وبعدها لمع حظي أكثر بانتسابي لكلية الفنون الجميلة بدمشق، التي ساهمت فيما أنا عليه الآن، ولو أنني كنت من المنتقدين الدائمين لمناهجها. كما أحب أن أشير إلى أن مرحلة الطفولة هي أهم شيء في تكوين المرء على كل الصعد وخصوصاً بتأسيس الخلفية الثقافية، كي يصبح فناناً، شاعراً أو موسيقياً، كما يجب أن يشعر بالدعم الحقيقي من منزله، وبعدها على المدارس أن تهتم بالجوانب الثقافية بعمق أكبر وبأسلوب مرن وحداثي وفيه الكثير من الجدية بالمناهج كلّها، وعلى الخصوص الجوانب الإبداعية كالموسيقا والفنون والآداب، كي نرتقي حقا بالإنسان السوري وخاصة في زمننا هذا، وأيضاً لنتمكن بعدها من المتابعة والتطوير في كل المجالات».
أما عن بنائها لأدواتها واكتسابها أسلوبا خاصا فتقول «أنا إنسانة بصرية، وهناك أمر فطري في داخلي، كما العين هي أهم شيء بالنسبة لي، ومن خلال الرؤية والبصر ألتقط الصور والأشكال، هذا ومنذ صغري أسعى لفهم الإنسان من شكله، فكل جزء فيه يحكي عنه كاليدين والشرايين التي تسير فيها الدماء، حتى العيون لها لغتها، إذا لكل جزء بالجسم البشري حكاية تستحق التأمل، وأنا أذهب بتأملاتي للبعيد وأعيش بعالم خاص ومن بعدها أشكّل بألواني وخطوطي ما رأيته. وبالنسبة للأدوات والتقنيات أضيف هنا إنه على الفنان أن يصقل مهاراته وتقنياته ويطوّرها بالخبرة المطلوبة بين الحين والأخر، وأخيراً إن ما ساعدني في بناء تقنياتي وخلق أسلوبي الخاص، هو قيامي في بداية مشواري التشكيلي بالنسخ للكثير من أعمال الفنانين العالميين، إلى جانب قراءتي عنهم.
وعن واقع الفن التشكيلي السوري، لفتت إلى أن هذا الواقع هو الذي صاغها وساهم في تكوينها الفكري والثقافي كي تكون رسامة-بحسب النقاد-من الصف الأول، «قبل الحرب كانت سورية تنهض بكل الجمال والحضارة، ومعها طبعا كان الفن التشكيلي متجهاً صعوداً في تطوره وملاحقته لما فاته- لكونه فناً حديثاً في سورية- ولكن اليوم مازال حاضرا، ولكنه مقارنة مع الغرب يبذل المساعي للتطور، وخاصة أن الحرب عملت فعلها في هذا المجال سلبا مثلها مثل أي مجال آخر، وبالتالي علينا اليوم أن ننهض بقوة من الواقع الثقافي وأن نستفيد من خبرات التشكيليين السوريين المغتربين القادرين على أن يُغنوا الحركة لدينا بكل ما هو جديد. وبالطبع أنا جداً متخوفة من مستقبل الفن التشكيلي وخصوصاً بعد الأزمة، فالفوضى عارمة وعلى كل الصعد، وخصوصاً أن مقتني اللوحات هم من الأثرياء، مع ظهور (أثرياء الحرب)، وهؤلاء يُقبلون على اقتناء اللوحة من باب المظاهر والـ«برستيج» الاجتماعي، ولكن يمكننا تثقيفهم، وبالطبع هذا لن يكون سهلاً، وسيحتاج إلى الزمن الطويل، وأركز هنا على دور المدارس وبوجود خبراء مختصين، هذا وخلال السنين القادمة سنندهش لانحطاط مستوى الفن وتدنيه، والطامة الكبرى أننا سنفاجأ بانحطاط أسلوب فنانين كبار، مع التسويق لأعمال منحدرة المستوى، وسنعيش فترة من الانحطاط الفني وأنا لست متفائلة مهما حاولنا التغيير ولكن علينا إثبات الصح بكل قوتنا، كما أنني أؤمن بقدرة الفرد على التغيير وبأن يكون صاحب تأثير ما دام بموقع قوي».
وتوقفت شمّا في الإجابة عن سؤال من رئيس مجلس إدارة جمعية تاء مبسوطة ديانا جبور، حول ثقافة الطابور المختلفة بين العرب والغرب، مع الإشارة لمعرضها (الدور/ الطابور) في عام2011/2012الذي أقيم في لندن، «بصراحة في تلك الفترة اندهشت بشدة لمدى تأثير شخص على جماعة كبيرة، وكيف يستحوذهم ويسيطر عليهم، وبالمقابل كيف شخص لا يكون قادراً على التأثير بآخر، وأن هذه الحالة هي سبب رئيسي لخلق حالة من «الغباء الجمعي» ساهمت بشكل مباشر في تأجيج الحروب وافتعال الاقتتال، ونشرها عبر البلدان بإشعال فتيل ما أسموه الربيع العربي، من هنا عملت على مشروع ما أسميته (الطابور أو الدور)، حيث عرضت هذا المعرض في لندن، وللأسف الفرق كبير في المفهوم بيننا وبينهم، وكيف أن الطابور في الغرب هو أمر حضاري وراقٍ على عكسنا.
وفي الختام أؤكد أن بلدي سورية قدمت وتقدم الكثير للفنانين، وأنا أسمعها من التشكيليين العرب، بأنّ وزارة الثقافة داعمة للفنان وتقتني لوحاته- بغض النظر عن السعر إن كان مناسباً أو لا- وهذه المبادرة هي داعمة، وبرأيي من عمِل بجدّ واجتهاد سيحصل على المقابل سواء أكان من اهتمام الجمهور وفي التسويق لأعماله، أم فيما يقدمه للفن التشكيلي بالعموم من تجارب، فأي سوري يمكن أن يصنع جسراً بين سورية والبلدان الأخرى».
في الجانب الناقد
في الصالون الثقافي لجمعية تاء مبسوطة كما ذكرنا أعلاه حضر الناقد سعد القاسم الذي تحدث عن تجربة الفنانة شمّا ومعرفته الشخصية بها، ومن حديثه نذكر، «بالرغم من معرفتي لأهل سارة منذ كانت في الكلية، إلا أنني لم أربط يوماً بين الاسم والرابط العائلي وبين ما يقال عن هذه الفنانة الشابة الجريئة بتجاربها. وفي مرة شاهدت مجموعة من الأعمال المعروضة في معرض يضم نسخا للوحات، كانت الأعمال مهمة جدا، ولا أذكر أن هناك طلابا قدموا أعمالا منسوخة بهذه الدقة والاحتراف، فلقد أدهشني مستوى الإتقان والتقنيات والألوان، وحتى هذا الوقت لم أكن أعرف سارة، وحتى في مرة جاء صديقي الفنان التشكيلي نزار صابور الذي أخبرني عن موهبة سارة وثقافتها وثقتها بنفسها، وإلى هذا الوقت لم أربط اسم سارة بعائلتها، إلى أن تخرجت، عاد صابور وأخبرني عن مشروع تخرجها وأنه عليّ الذهاب لمشاهدة المعرض واللوحات، وبالفعل ذهبت وكان هناك لوحات عملاقة، دهشت لفرق الحجم بين الفنانة شمّا وأعمالها. وأحب أن أختم هنا أن سارة لا تغار منها النساء بقدر ما يغار منها الرجال، فهي فنانة سورية متميزة، ومن الصف الأول، واستطاعت أن تصنع جمهورها خارج الوسط التشكيلي من دون أي ادعاءات أو شعارات».