سمات العلمانية في سورية وأهدافها …. الدولة تنظم الشؤون الدينية دون تدخل بالدين وتحترم حرية الاعتقاد لأنه شأن شخصي
| هيثم يحيى محمد
تعتبر العلمانية من المصطلحات والمفاهيم الإشكالية في البلدان العربية والإسلامية لأسباب مختلفة غير موضوعية بمعظمها، فرغم أن العلمانية ليست ضد الدين على الإطلاق إنما ضد الخلط بين الدين والسياسة وضد استخدام أي منهما للآخر، نجد أن نسبة من مؤيديها والكثير من خصومها يعملون على تشويه جوهرها وحقيقتها من خلال اتهامها بمحاربة الدين والتدين، أو من خلال وصمها بالإلحاد ومعاداة الدين..الخ.
في مادتنا لهذا اليوم نتوقف عند (سمات العلمانية في سورية وأهدافها) من خلال آراء بعض الباحثين والمثقفين.
فصل الدين عن الدولة لا يعني النفي
نبدأ من رأي الباحث والمفكّر الدكتور مهدي دخل الله الذي يقول إن العلمانية تعني فصل الدين عن الدولة، لكن الفصل لا يعني عدم الاعتراف والنفي إنما هو فصل الاختصاصات. الدين له مجال عمل والدولة بمؤسساتها لها مجال آخر.. وأشار دخل الله إلى أن أصل المشكلة ظهرت في أوروبا حيث إن الكنيسة حكمتها من القرن الميلادي الرابع حتى السابع عشر ومن ثم بدأ الأوربيون عام 1648 بإزاحة الكنيسة عن السلطة (ثورة على حكم الكنيسة) وفعلاً وصلت الأمور وخاصة بعد الثورة الفرنسية عام 1789 إلى أبعاد الكنيسة عن التدخل بشؤون السلطة السياسية.
وفي العالم العربي كان الصراع على السلطة أي إن الخلافات التي شهدناها عبر التاريخ كانت على السلطة ولم يكن طابعها دينياً ووصلت الأمور إلى تطبيق الملكية في الدولة الأموية والدولة العباسية، وبعدها كانت التجربة العربية تميل إلى العلمانية وفي الدولة العثمانية كان هناك جمع بين الدين والسلطة.
ويضيف دخل الله: ابن خلدون والكواكبي قالا: إن سبب تخلف العرب والمسلمين هو وصاية الدين على الدولة وأنه لا يجوز الجمع بين الدين والسلطة منعاً للاساءة للدين.. وحتى لا يصبح الحاكم مستبداً استناداً للدين كما قال عبد الحميد الزهراوي.
ويتابع قائلاً: إن الفصل بين الدين والسياسة هو من أجل نقاوة الدين لأن الخلط بينهما له نتائج خطيرة جداً (الحكام يتذرعون بالدين ليستبدوا ويحرّموا أي نقد، فهذا خادم الحرمين وذاك أمير المؤمنين ملك المغرب وهذا إساءة للدين). الدولة من وظائفها أن تنظّم الصراعات والمصالح بينما الدين هو الإيمان بعقيدة خاصة بالمطلق.
وعن سمات العلمانية في سورية قال: إن تجربتها بدأت مع دستور 1919 حيث تم فصل الدين عن الدولة، فالدولة لها وظيفتان سياسية لا يتدخل فيها الدين وتنظيمية يتم من خلالها تنظيم النشاطات الاجتماعية وبهاتين الوظيفتين تتعامل مع الدين كنشاط اجتماعي وتتدخل لمنع تدخله في السياسة عبر وزارة الأوقاف أي إن الدولة تنظم الشؤون الدينية دون أن تتدخل بأمور الدين وتحترم حرية الاعتقاد والذي هو حق شخصي للمواطن.
البعد الثقافي أساسي للعلمانية
الأديب غسان كامل ونوس أجاب «الوطن» عن سؤالها حول رأيه وتساؤلاته وملاحظاته وهواجسه ومقترحاته حول العلمانية في سورية قائلاً: العَلمانيّة ممارسة أكثر من كونها أفكاراً، والممارسة تحتاج إلى بيئة متحاورة غير متنافرة.
الدين فرديّ، والعَلمانيّة وعي جمعي متمثَّل؛ وعي عام، وهذا يحتاج إلى الوعي بالعَلمانيّة، والاقتناع والعمل بها؛ ممّا يسهّل آليّات ممارسة العَلمانيّة.
تحتاج العَلمانيّة إلى وعي بأهمّيّة إطلاق القدرات، واستثمار الإمكانيّات؛ في سبيل خدمة المجموع، والوصول إلى الواقع المقبول والأفضل والمصير المأمول.
المسؤوليّة مشتركة في العَلمانيّة؛ بما أنّ الجميع مشاركون في صياغة القوانين والتشريعات؛ ولا شيء معزولاً عن الحوار، ولا أحد خارج دائرة المساءلة والمحاسبة؛ ولا مقدّسات.
يشكّل الدين خصوصيّة في المجتمع العَلماني، وهي ليست وحيدة؛ وهناك خصوصيّات أخرى: قوميّة، وبيئيّة، وديمغرافيّة، لا تتعارض مع العلمانيّة؛ بل تشكّل عوامل إغناء وتنوّع وتمايز عن مجتمعات أخرى.
ويجب أن تعمل العلمانيّة في إطار الانتماء- المواطنة؛ كي تكون المحفّزات أكبر، والمبادرات أغنى وأجدى، والانسجام أوفر؛ وعلى الجميع أن يسهم فيها.
إنّ البعد الثقافيّ أساسيّ للعَلمانيّة؛ لتحضير البيئة ثقافيّاً؛ فهو ضروريّ في الطريق إليها، وفي استتبابها وممارستها وتجدّدها؛ فالثقافة هي الحلّ، والحال، والعلاج؛ وهي التي تحصّن، وتقي، وتنقّي، وتصلّب الفرد والمجتمع والدولة.
المجتمع المفعّل بالحياة الحزبيّة النشطة أكثر ملاءمة للعَلمانيّة، ومن مهمّة الأحزاب العلمانيّة، وفي مقدّمتها البعث، تهيئة الظروف وتدريب الناس على ممارسة العَلمانيّة، وقبل ذلك، لا بدّ من تأهيل كوادرها وتثقيفهم، وتدريبهم على ممارستها بجدّيّة وحرص واهتمام. لتكون أمثلة وقدوات في ذلك.
وأضاف ونوس: يفضّل أن يحدّد الدين خياراته في التعامل الإيجابيّ مع العَلمانيّة؛ لا أن يعمل على إعثارها؛ فيسوّغ بذلك أن يكون عرضة للاتّهام المسبق واللاحق، ولن يربح بذلك؛ مهما اعتدّ بقداسته وإرثه، والزمن ليس في مصلحته؛ ومهما بدا من دعم خارجيّ له، وضغط لاستغلاله في تنفيذ مآرب أخرى.
إنّ سلامة آليّات العمل، ووضوحها، وسلاستها، مهمّة جدّاً في إشاعة العَلمانيّة وممارستها؛ لهذا لا بدّ من تأهيل الكوادر والحوامل الفرديّة والجمعيّة (المؤسّسات) التي تؤمن بها، وتعمل بوعي وقناعة من أجل إنجاز المجتمع العَلمانيّ القويّ.
من المهمّ والضروريّ الحديث في العَلمانيّة على مختلف المنابر؛ وفي وسائل الإعلام جميعها؛ بجدّيّة وبمساحة كافية، ولدى الشرائح كلّها؛ كي يتشكّل وعي عام بها؛ وتفترض إشاعة أجواء الحوار المفيد بشأنها ومعها ومن أجلها.
من المهمّ تعليم العَلمانيّة وتعلّمها منذ الصغر، والتدريب والتدرّب عليها في المدارس والمؤسّسات التعليميّة كلّها ومن الضروريّ أن تكون الحوامل الشابّة حاضرة وفاعلة ومؤهّلة؛ لإنجاز المجتمع العَلمانيّ وتجدّده.
وإنّ من الخطورة بمكان أن تفتح المعابر والدروب والمنابر أمام الخطاب الديني، ويعطى هيمنة إعلاميّة كبيرة؛ كما يحدث غالباً؛ بحجّة استخدامه سلاحاً من الأعداء في الحرب الكارثيّة على سوريّة؛ فنواجههم بالسلاح ذاته! وهذا خطأ قاتل؛ فالجهل هو السلاح الفتّاك، الذي استخدم ضدّ البلد، وبرزت فعاليّته في مختلف المجالات، ومنها الدينيّ؛ فلا بدّ من معالجة الأمر بالوعي والثقافة والعلم، ما يؤدّي إلى نهضة حقيقيّة، وإشراقات متنامية، تؤدّي إلى تعزيز الانتماء، وتعزيز الثقة الفرديّة والجمعيّة، والتحصين الداخليّ في وجه أيّ اعتداءات جديدة متوقّعة.
ولا بدّ في المجتمع العَلمانيّ من إلغاء تدريس التربية الدينيّة في المدارس، والاستعاضة عنها بمادّة تؤسّس للأخلاق والمبادئ العامّة والحوار، والاعتراف بالآخر.
ولا يجوز في المجتمع العَلمانيّ أن تستفحل ظاهرة التفاوت الطبقيّ؛ ويجب ألّا تنشأ أو تسود طبقة أو جماعة؟ أو مجموعة من الأفراد النافذين في أيٍّ من المجالات خارج القانون، وفي أيّ وقت ولا يمكن أن يُسمح بالإثراء غير المشروع، أو بممارسة الفساد أو الإفساد؛ بل الناس جميعاً متساوون في الحقوق والواجبات.
وختم بالقول: ألم يقل السيّد الرئيس إنّ هناك ثغرات نفذ منها الأعداء؛ فإذا كانت الجهات المسؤولة قد قامت بما يلزم؛ هل كان تسلّلَ الأعداء الذين أفسدوا وخرّبوا، ونهبوا، وقتلوا، ودمّروا، الحجّة في الممارسة والنتيجة، لا في القول والدعاية والادّعاء؟!
احترام الإنسان لأخيه الإنسان
السيد جهاد محمد مدير قال: العلمانية حقيقة حضارية انسانية تعلو بالإنسان والمجتمع إلى فضاء رحب حر مدني متطور تحكمه ضوابط وقوانين تفرض احترام الإنسان لأخيه الإنسان بكل مشاربه وانتماءاته، وكما افهم من فكر القائد المؤسس حافظ الأسد والرئيس بشار الأسد فإن العلمانية لا يقصد بها إنها في مقابل التدين أو الإلحاد، بل يقصد بها سلوك البنى الفوقية للدولة من مؤسسات وسلطات مختلفة للنهوض بالمجتمع إلى حالة حضارية تنعكس على كل أفراده لتصبح سلوكاً إنسانياً دافعه القيم الأخلاقية والانتماء الوطني بعيداً عن الجانب الديني الذي يترك لحرية المعتقد الذي يحترم الآخر ولا يلغيه ويفتح المجال واسعاً للحوار الوطني المستدام.
وأضاف محمد: العلمانية تعني أن الدين لله والوطن للجميع، وقبول الآخر كما هو وخاصة أن الإنسان لم يأتِ لهذه الدنيا بإرادته، وتحييد الجانب الديني عن السياسي.
وأشير إلى أن أهم درس يفترض أن نتعلمه من هذه الحرب على بلدنا هو ضرورة أن نلتقي نحن السوريين بعضنا مع بعضٍ وأن نتحاور، وهنا أقول إن الحوار يزيل الغشاوة أو التشويش إن وجد عند أحد منا.
وفي اعتقادي الدين قيم أخلاق وسلوك وانتماء وطني إنساني حضاري، لا أفهم الدين غير ذلك وقبول الآخر هذا هو الميزان ونحن بحاجة إلى الجانب الديني لينير لنا الطريق، فما الضير في ذلك، والعلمانية حامية للدين الصحيح؟
لدينا الكثير من الممارسات العلمانية
السيد محمد اسماعيل نقيب المعلمين الأسبق في طرطوس قال: العلمانية ليست تدينا ولا إلحادا ولا عقيدة ولا مذهبا فهي تساوي بين المؤمن وغير المؤمن وبين المسلم وغير المسلم بين المتدين والملحد، باعتبارهم بشرا وخلقوا أحراراً.
إنها الاتفاق المبدئي الذي يجيز تعدد الآراء بل اختلافها اختلافا لا رجعة فيه ومع هذا يبقى الاحترام قائماً وبين المختلفين، هي هذا المشترك بين المتخاصمين، بهذا المفهوم المبسط يتوضح أن العلمانية ليست نقيضاً للدين الإسلامي أو الأديان الأخرى بل هي نقيض للأصولية باعتبارها منظومة شمولية.
ونحن في سورية لدينا الكثير من الممارسات العلمانية لكن كل مواطن عاقل يرغب في أن تقونن هذه الممارسات ( العفوية) إذا صح التعبير لتصبح في الدستور.
ومع التقدير لبعض علماء الدين الذين شكلوا جزءاً مهماً من رافعة الصمود، ماذا يضير رجل أو عالم الدين العاقل المتوازن المحترم في محرابه أو كنيسته أو معبده.. أن يقول لكل مواطن في سورية أن يعبد ما يشاء شرط ألا يضر بأخية الإنسان وبمصلحة الوطن، هذا إذا كان رجل الدين لا يرغب في صرف نفوذه وتحويله إلى بيارات وسيارات وعمارات وشاليهات، أو يعوض مركبات نقص.
أخيراً لدي سؤال: هل العلمانية موضع اختيار ذاتي رفضاً أو قبولاً أو هي ضرورة للعبور إلى الدولة المدنية الحدية؟