ثقافة وفن

منها الحرف.. ويظلّل عودتها

| إسماعيل مروة

ها هو اليوم الحرف، ها هي الكلمة، ها هو الكتاب، ها هو مهرجان الثقافة والكتاب يشرع أبوابه لدمشق العظيمة في رحاب مكتبتها الفريدة، الصرح العظيم الذي لم يتوقف عن النبض في قلب دمشق الخالدة ليعطيها الحياة والنسغ، وهل مثل الحرف والكلمة للحياة التي تواجهنا بالدمار والقتل والدم؟ الدم يشخب من حضارتنا، والرماد يحاول أن يطغى على حياتنا التي كانت حافلة، لكن الشام تنفض غرتها من قلب الدمار وتبرز زينتها للكون، فهي الغادة والحورية وهي المرأة والأنوثة، وهي الروح والنفس، وهي الرجولة والإباء، وهي الريح التي لا تلون بأي شكل وبأي لون! تنفض الشام غرتها التي لا تشيب، وهي من عمر الكون لتقول للعالم أجمع: أنا شام الحرف، أنا أوغاريت، أنا رأس شمرا، أنا أذرعات، أنا ساحة المتنبي، وأنا أجمل محبس لأبي العلاء المعري، فإن حطمتم عبقرية صانع صورته، فلن تقدروا على عبقريته، من لزومياته إلى لزوم ما لا يلزم إلى الغفران وزجر النابح والملائكة.. أنا حاضنة إبداعه، وصانعة حرفه، أنا التي لم يستطب بغداد أو الكوفة أو البصرة أو أي حاضرة في العالم دوني، اختارني من معرته لأكون محبسه الجميل الذي يفجر إبداعه! هل رأيتم محبساً يختاره المنتمي سواي؟
أنا وحدي.. من هنا خرج وأعطيته ساحتي ومدينته، ملاذه عندما سقطت عمامته في أرقى ساحاتي.
ها هي الشام تفرح بمهرجانها للكتاب، كل المدائن تقدم معرضاً للكتاب، ودمشق تقدم مهرجاناً للثقافة، من دورته الأولى كان الكتاب محط اهتمام، ويعقد بإشراف ورعاية من السيد الرئيس، ولأن الكتاب له المكانة العليا، ولأن الثقافة حاجة فوق التصور بقي هذا المهرجان دون سواه تحت رعاية كريمة من السيد الرئيس، وتتابع خطواته سيدة الثقافة والأدب الدكتورة نجاح العطار نائب رئيس الجمهورية للشؤون الثقافية.
معرض للكتاب، منتدى للحوار، ملعب للثقافة والفكر وتبادل الآراء، منبر فني، صالة سينمائية، صالات تشكيلية، قاعات للتراث والمخطوطات، مساحة للتعارف الثقافي وتوقيعات المؤلفين، وحوار حول الدراما والسينما، وعروض محلية وعالمية، وكل ذلك بين جدران قلب دمشق، وساحة أموييها العصية على كل شيء.
لم تغلق المكتبة أبوابها تحت القصف
لم تنل منها أي قذيفة حقد
لم ترجع قدم قصدتها إلى الوراء
الكلمة تحمي والحرف يظلل بعباءة الحماية
لا يؤثر معمل إذا توقف
ولا يقلق اقتصاد إن توقف نموه
ولا مشكلة في شح لموارد
وحده الكتاب هو المعيار، هو الذي غيابه يعني الموت، وجبنه يعني النهاية، لذلك لم يغب معرض الكتاب، ولم يتراجع الحضور الثقافي، وبقيت سورية تعزف وتغني وتكتب وترسم وتنشر.. بعد انتهاء الحرب الكونية على سورية ستكون المرحلة ملونة بحب الوطن، والبكاء على أبناء الوطن الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم من أجله، ستغمرنا ورود الشعر الموجهة للشهداء، ويغطينا حرف حكاية البطولة والتجذر والتشبث بأرض سورية الغالية..
ونستذكر كتاباً نهض
وشاعراً أجاد
وروائياً لم يكن منحازاً لمصالحه
يعود معرض الكتاب، ومهرجان الثقافة لهذا العام بشكل مختلف، يعود حاملاً نكهة التعدد، فبعد سنوات الحرب، وترددِ من ترددَ، ومقاطعة من قاطع، وانتظارُ من انتظر، تأكد للكون أن دمشق بوابة الفكر.
بوابة الحرف
بوابة العبور إلى الحياة الأبدية على رصيفها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن