قضايا وآراء

الحديث عن التعافي!

| مازن بلال

اعتبر وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو أن الوضع في سورية عاد إلى طبيعته، ورغم أن تصريحاته جاءت ضمن حدث روسي بامتياز يتعلق بتكريم الفائزين في مهرجان «جيش روسيا 2019»، إلا أنه ينقل بعضاً من تفكير الكرملين بالأزمة السورية، ويقدم صورة عامة لرؤية العالم عموماً لأي توتر قادم أو حتى انفراج في العملية السياسية المثقلة بالمشاكل.
«التعافي السوري» وفق ما تراه موسكو يرتبط بانحسار بؤر الإرهاب وبالاستقرار الذي ينتشر بشكل تدريجي، وهذا الأمر يبدو منطقياً بالنسبة لأي «لاعب» خارجي لأن انتهاء «المعارك الكبرى» يتيح للسياسة مساحة عمل، وللحلول النهائية للأزمة الظهور بشكل سريع، ولكن السؤال الأساسي هل الصورة التي يقدمها التحرك السياسي تكتمل نتيجة انتهاء العمل العسكري في الكثير من المناطق؟
عملياً فإن الإجابة عن أي سؤال متعلق بالعملية السياسية في سورية يضعنا أمام مفارقتين: الأولى متعلقة بالإستراتيجيات الدولية التي لم تتبدل مع تغير نتائج الحرب، فـ«شويغو» تحدث عن أن روسيا دخلت سورية ولم تكن الدولة تسيطر إلا على 18 بالمئة من أراضي الجمهورية، وهذا الوضع تبدل جذرياً على المستوى الميداني ولكن دون أي تحول سياسي عام، سواء على المستوى الإقليمي أم الدولي، فمواقف العواصم الكبرى لا تزال تعتمد نفس المنهجية في قراءة الحل السياسي، في المقابل فإن الدول الإقليمية وعلى الأخص تركيا بقيت في نفس الموقع منذ اندلاع الحرب، فعدم القدرة على رسم سورية على مساحة إقليمية جديدة لا يعني دولياً سوى الاستفادة من تداعيات الحرب لتكريس الأزمة داخلياً.
المفارقة الثانية ترتبط بمنهجية الحل، فالأطراف التي بدأت في التفاوض تغيرت كلياً، دون أن يتبدل التمثيل السياسي، ومن جانب آخر فإن جغرافية التفاوض في جنيف لم تعد ضرورة ورغم ذلك فإن الحل السياسي مازال ضمن نفس المكان والشرط السياسي؛ ما يعني أن التوجه الدولي يريد المساومة على «الحل السياسي» كونه مفتاحاً للاعتراف بالنفوذ الروسي في شرقي المتوسط، على حين تبقى الأزمة رهينة نفس التوازن الذي ظهر منذ 2011 دون النظر إلى جميع التحولات التي عصفت بسورية.
مأزق الأزمة السورية بعد ثماني سنوات لم يعد يرتبط بعودة الاستقرار، فبعد أن كانت القوى الدولية تحاول إسقاط شرعية الدولة السورية بحجة أنها «دولة فاشلة» نتيجة سيطرة الإرهاب على العديد من المناطق السورية، فإنها اليوم تنظر إلى «الشرعية» من نقطة مختلفة تتعلق بأمرين:
– الأول عدم السماح لموسكو بوضع سورية على خريطة التوازنات الإقليمية كما كان عليه الأمر قبل 2011، فالحل السياسي وفق المنطق الدولي يمكن أن يظهر بأي شكل أو صورة مع شرط لا يسمح لدمشق بالتعاون مع أي طرف إقليمي لبناء تحالف قوي، وهذا الأمر لا يرتبط بإيران حصراً، فما هو ممنوع هو بناء تحالفات إقليمية.
– الثاني تشكيل بناء سياسي هش يعتمد على الخريطة السياسية الافتراضية التي ظهرت في جنيف مع بدء التفاوض، فهذه الخريطة لا تضمن ظهور قوى سياسية فاعلة بل مراكز قوى دولية داخل السياسة الداخلية، وضمن سابقة لا مثيل لها في المنطقة، فالتمثيل التفاوضي في جنيف لا يعبر عن قوى طائفية كما في لبنان أو العراق ولا يشكل تمثيلاً قومياً أو غيره من التشكيلات، فهو شخصيات فقط مدعومة دولياً يمكنها بناء جهاز سياسي استناداً لشرعيتها الدولية وليس المحلية.
تراهن روسيا على تطور الاستقرار للدخول في الحل النهائي، في حين تلعب الأوساط الدولية على الإنهاك الاقتصادي لتحقيق شرط سياسي خاص في أي حل، وبناء بيئة سياسية – اجتماعية ربما يصبح مخرجاً سورياً يعفي شعبها من التوازن السياسي الهش الذي يريده الأوروبيون بالدرجة الأولى، فالتعافي السوري هو في هذه البيئة التي يمكنها رسم المستقبل السوري بشكل مختلف.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن