ثقافة وفن

«رحلة الموشح من الشام إلى الأندلس» في حلم يتحقق بقصر العظم … وزير السياحة: الحفاظ على ما نملكه من إرث حضاري ثقافي هو معنى الانتماء لهذه الأرض

| سارة سلامة- تصوير: طارق السعدوني

من قلب قصر العظم بدمشق انطلقت رحلة الحوار بين الثقافات والشعوب في رحلة الموشح من إسبانيا وبلاد المغرب وصولاً إلى حلب والشام، من خلال أمسية غنائية أقامتها جمعية (عين الفنون) بمشاركة مطربين من سورية ولبنان وتونس والجزائر والمغرب وإسبانيا، في خطوة تبين أن السوريين ما زالوا يمدون جسور التواصل الحضاري مع الشعوب رغم الحرب الظالمة، كما تسلط الضوء على الجذور التاريخية المشتركة ودور الموسيقا في حوار الشرق والغرب عبر رسالة مهمة مفادها أن السوريين اليوم هم أحفاد السوريين الأوائل الذين كتبوا أول نوتة موسيقية في التاريخ وذلك بالألف الثالث قبل الميلاد في مملكة ماري.

وفي كلمة له استهل وزير السياحة محمد رامي رضوان مرتيني الحديث عن الحضارة التي بدأت من سورية وانطلقت رحلتها في الكلمة والنغم، مؤكداً أن الحفاظ على ما نملكه من إرث حضاري ثقافي هو معنى الانتماء لهذه الأرض.
كما أقيمت ندوة فكرية في فندق «داماروز» حول الموشح ونشأته، وتطوره والتبدلات التي طرأت عليه نتيجة تأثره بثقافة البلدان التي مرّ عليها خلال رحلته من الأندلس إلى الشام شارك فيها كل من الباحث الدكتور سعد اللـه آغا القلعة، ومن لبنان الباحثة الدكتورة غادة شبير، ومن المغرب الباحثة سميرة القادري بحضور نخبة من المهتمين بالموسيقا والتراث السوري.

تبادل الثقافات والتراث
وفي تصريح خاص لـ«الوطن» بين معاون وزير السياحة بسام بارسيك أن: «الفعالية استمرار للتقاليد القديمة لكون سورية أحد مراكز التجارة العالمية، وكانت القوافل التي تأتي إليها عبارة عن مدن متنقلة تضم الأدباء والمفكرين والفنانين والموسيقيين، حيث يلتقون جميعاً في تدمر أو دمشق وحلب يتبادلون الثقافات والتراث في عملية تلاقح وحوار بين الحضارات، نعود اليوم لنؤكد من خلال هذه الفعالية دور سورية في إغناء الحضارة الإنسانية، ولطالما قدمت مساهمات لجعل الثقافة والحضارة الإنسانية أغنى وأجمل، فنحن بلد الأبجدية الأولى والموسيقا الأولى والزراعة الأولى وأقدم استيطان بشري في العالم خارج القارة الإفريقية كان بسورية في «ستمرخو» وتعود إلى نحو مليون سنة قبل الميلاد».
وأضاف بارسيك إن: «الموشح انطلق من الأندلس ومرّ بشمال إفريقية ووصل إلى سورية ليزدهر هنا، ونعمل في وزارة السياحة والثقافة وجمعية (عين الفنون) على إطلاق مشاريع تبرز التاريخ السوري وجماليته، فهو أحد عناصر المنتج السياحي السوري، كاشفاً أن الوزارة بصدد إعادة إطلاق مهرجان طريق الحرير بحلة جديدة بالإضافة إلى فعاليات متعددة».

مركز إشعاع حضاري
وقد بيّن مستشار وزير السياحة المهندس علي المبيض أنه: «وبالتعاون بين وزارة السياحة وجمعية (عين الفنون)، وبمشاركة دولية أقيمت احتفالية (رحلة الموشّح من الأندلس للشام)، وذلك ضمن المساعي التي تبذلها وزارة السياحة لترويج نقاط الجذب السياحي، ولما للموشّحات من دور في تشكيل الهوية السمعية للسوريين لكونه تراثاً عابراً للحدود والثقافات، ومثالاً واقعياً للتفاعل الحضاري الذي يربط الماضي بالحاضر، وتسليط الضوء على الجذور التاريخية المشتركة وخاصةً الدور الذي لعبته الموسيقا في حوار الشرق والغرب على جميع المستويات الإنسانية والتحولات التي طرأت على الموشح».
وأضاف المبيض: «إن الأمسيةً فريدةً من نوعها امتزج فيها جمال الصوت مع عذوبة اللحن وسحر المكان، أدى فيها الفنانون السوريون والضيوف موشحات جميلة بشكل فردي كل فنان بلغة وموسيقا بلده وبلهجته المحلية ما شكّل مقارنةً واضحةً بيّنت مدى تأثير ثقافة المجتمع المحلي في الموشّح، من خلال رسالة مهمة مفادها أن السوريين مازالوا يمدون جسور التواصل الحضاري مع العالم رغم الحرب الظالمة التي كانت تهدف من ضمن أهدافها إلى تشويه التاريخ السوري».

صرخة حب
ومن جهته بين الموسيقي طاهر مامللي: «رسالتنا اليوم أكثر من فنية هي صرخة حب وسلام نحكي فيها رحلة الموشح من الجدود إلى اليوم، في خطوة تمكن الثقافة والحضارة والهوية وترسخها في المجتمع، حتى يتمسك الجيل الجديد بهذه الهوية والتاريخ المضيء الذي ورثناه، حيث إن الموشح انتقل إلى الأندلس وجاء إلى حلب والمغرب وتونس والجزائر والأردن ولبنان ونتشكر الفرق المشاركة لأنهم جميعاً قامات كبيرة وساهموا في إيصال رسالتنا».

رسالة الفن الراقي
أما مدير فرقة (جلنار) للمسرح الراقص علي حمدان فبين أننا: «نتعاون بشكل مستمر مع وزارة السياحة، واليوم جاء تعاوناً بشكل مختلف واعتبرنا أن الضيوف ضيوف الشام أتوا من الوطن العربي واستقبلناهم بأجواء حميمية بدءاً من دخولهم الشام القديمة حتى وصولهم (قصر العظم)، من خلال مجموعة راقصة بأزياء مختلفة تعبر عن حقب موجودة في الأندلس، كما ساهمنا في التنظيم والإضاءة والمسرح وشكل المكان، بالإضافة إلى تقديم موشح (لما بدا يتثنى)، هذه رسالة الفن الراقي يجب أن تبقى وتتخلد لأنها تحمل عبق وحضارة وفكر وأصالة بلدنا، وخاصة أننا بزمن يشهد الكثير من الموسيقا الهابطة، تلك مسؤوليتنا لنحقق رقياً في الذوق العام عند الجمهور».

الشعب السوري ذواق
ومن جهتها قالت الفنانة التونسية محرزية الطويل إن: «مزايا هذه التظاهرة الفنية تعارفنا على فنانين من مختلف البلدان، والشعب السوري ذواق ويتلقف الطرب ويحب الارتجال والمواويل والأندلسيات، ولطالما شكلت الموشحات السورية واللبنانية والمغربية مزيجاً جميلاً، حيث تصب جميعها في الوادي نفسه والمقامات ليست بعيدة من بعضها».
وبينت محرزية أن: «الجميل في الشعب السوري هو قدرته الكبيرة على تدارك الحرب وكنت أول فنانة أتت إلى سورية بعد الحصار وقدمت حفلتين في دار الأوبرا، التي كانت تغص بالناس رغم المخاطر».

راية الموشح
وبدورها قالت الفنانة اللبنانية غادة شبير: «إن دمشق بلد الموشحات فمن بعد إسبانيا حط الموشح في حلب ودمشق، وجئنا لنحكي مسيرة الموشح من الأندلس إلى مدينة حلب، ونشكر جهود كل من ساهم وأضاء على هذا الفن، لأنه اليوم يشهد اندثاراً ولم يعد يغنى إلا من بعض الحفظة أو من يعمل بالأعمال الفنية، ومشاركتي جاءت بدعوة من وزارتي السياحة والثقافة وشيء جميل بعد غياب 7 سنوات عن سورية، وشاهدت البلد معززاً مكرماً وأتمنى أن يبقى حاملاً للجمال، ويبقى رافعاً راية الموشح والقصائد العربية على مسارحه، كما أن سورية لها سحر خاص بشوارعها وأسواقها القديمة وأحب كل هذه الأشياء وأشعر أن الإنسان الطبيعي موجود هنا».
وأضافت شبير: «إن هذا اللون من الغناء يحتاج إلى فنان متمرس للخوض في موشحات كهذه، ولا يستطيع فنان عادي حتى لو كان صوته جميلاً أداء الموشح إذا لم يكن متدرباً وحافظاً، ويجب علينا تثبيت هذا الفن لأنه بدأ بالاندثار مع الفن التجاري، مبينة أنها تحضر أغنية جديدة، ومتمنية تقديم حفل فني خاص لها في دمشق».
إحياء الفن من جديد

وبدورها قالت الفنانة الإسبانية أليسيا مورالس: «إن المزج بين الموسيقا العربية والأندلسية مهم جداً، وعن طريق الموسيقا وحدها نستطيع الجمع بين مختلف البلدان، ومشاركتنا أتت من أجل إحياء هذا الفن من جديد، كما أن الاحتكاك بالموسيقا العربية يضيف لنا أشياء جديدة عن طريق الحضارة والثقافة في سورية، وحقيقة أشعر بأنني أعيش حياة أخرى عشتها من قبل».
وبينت مورالس أننا: «قدمنا فن الفلامنكو وليس من الضروري أن تعرفه الناس، لأن ذلك مسؤولية الموسيقا أن تقدم نفسها وتصل إلى الشعوب كافة، والجميل بالموسيقا أننا نستطيع حملها والذهاب بها إلى أي مكان».

التقاطع مع (الفلامنكو)
ومن جهته قال الفنان الإسباني ألفارو الفاريز: «إن حبه للموسيقا الشرقية دفعه سريعاً لتلبية الدعوة، لأن تلك الموسيقا تتقاطع مع (الفلامنكو) بشكل خاص، وعندما أتيت وشاهدت آثار الحرب في سورية ذهلت بتلك الطاقة والقدرة لهذا الشعب حتى ينهض من جديد كما ذهلت بمستوى الموسيقيين وحرفيتهم».
واختتم الحفل بغناء جماعي لقصيدة «لقد صار قلبي»، وتنويعات على موشح «لما بدا يتثنى»، وقصيدة «أعشق طفلة أندلسية» من التراث الأندلسي برفقة فرقة جلنار التي قدمت عرضاً لرقص السماح.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن