قضايا وآراء

تركيا أردوغان ومثلث الإرهاب والقمع والابتزاز

| د. قحطان السيوفي

السلطان العثماني رجب أردوغان الداعم علناً للإرهاب، يمارس القمع داخلياً كديكتاتور ويمارس المراوغة والابتزاز خارجياً، ويتدخل في سورية لمصلحة التنظيمات الإرهابية مستفيداً من المشهد الذي يوحي أن المصالح الدولية والقوى المؤثرة تحاول رسم المعادلات السورية. ويمارس اللعب على عدة حبال سياسية وهو رهينة القوتين العظميين.
المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن أشار إلى المهلة الجديدة في تنفيذ بنود «اتفاق سوتشي»، وهو التزام لم يجد طريقه إلى التحقق منذ توقيع الاتفاق قبل نحو عام. وهذا يمثل مراوغة أردوغان وعدم الرغبة في تطبيق الاتفاق، ولاسيما تفكيك «هيئة تحرير الشام» وفتح الطرق الدولية، وخاصة أن جنود أردوغان لا يزالون معزولين في قاعدتهم القريبة من مورك في ريف حماة الشمالي، مع انتصارات الجيش العربي السوري وتحريره لمدينة خان شيخون مزيد من الخيوط تتكشف بشأن العلاقات المشبوهة، التي تجمع أردوغان بالجماعات الممولة للإرهاب، كان آخرها ما كشفه تقرير لموقع «إنفيستيغيتف بروجكت» عن دور أكبر جمعية خيرية تركية في دعم الإرهاب برعاية استخباراتية حكومية.
يشير التقرير إلى خطة لترحيل الشباب وتجهيزهم للقتال في سورية منذ عام 2014، ونقل الأسلحة والمقاتلين إلى ساحات المعارك تحت ستار تقديم المساعدات الإنسانية، كما أنها عملت عن كثب مع وكالة الاستخبارات التركية لتنفيذ الكثير من تلك المخططات.
يقول التقرير: إن المنظمة تربطها علاقات وثيقة بالرئيس أردوغان وهناك روابط تجمعها بتنظيم الإخوان المسلمين، والحركات التابعة له عبر العالم، وبالمقابل سبق لصحيفة «جمهوريت» المحلية أن نشرت صوراً ولقطات فيديو وتقريراً يكشف أن مسؤولين من المخابرات يساعدون في نقل أسلحة ومسلحين إلى سورية بالشاحنات، وكان تقرير مشابه نشره موقع «نورديك مونيتور» الاستقصائي السويدي، في شهر أيار الماضي، كشف فيه عن تساهل الحكومة التركية مع المقاتلين المتشددين الأجانب الذين تعتقلهم، وينتمي معظمهم لتنظيمات متطرفة داعش والقاعدة.
في آخر اجتماع بين وزيري خارجية روسيا وإيران، سيرغي لافروف ومحمد جواد ظريف، ركّز الطرفان على «حساسية» الوجود الأميركي في شمال شرق سورية، وخاصة فيما يسمى «المنطقة الأمنية»، موضوع التفاوض بين واشنطن وأنقرة، ظريف اعتبر أن «الولايات المتحدة الأميركية تخلق وضعاً جديداً غير مستقر في شرقي الفرات، وأن الوجود الأميركي غير شرعي ومدمّراً وينتهك وحدة أراضي سورية»، وأشار ظريف إلى أن «أفضل طريقة لتركيا هي التعاون مع الحكومة المركزية السورية، والعمل في إطار القانون الدولي، واحترام سيادة سورية واستقلالها». بدوره، قال لافروف إن موسكو ستدعم في شمال شرق سورية «الحلول التي تحترم سيادة سورية فقط».
كشف نائب رئيس الوزراء التركي ووزير المالية السابق والعضو الحالي بحزب الشعب الجمهوري المعارض عبد اللطيف شنار، مخططات أردوغان في سورية محملاً إياه مسؤولية وجود التنظيمات الإرهابية في سورية.
وأثبتت الأحداث والوقائع على مدى السنوات الماضية تورط نظام أردوغان وحكومته في دعم وتمويل وتسليح التنظيمات الإرهابية في سورية، إضافة إلى جعل تركيا ممراً لعبور آلاف الإرهابيين القادمين من مختلف دول العالم إلى الأراضي السورية وشدد شنار على أن الاتفاق الذي أعلنه الاحتلالان الأميركي والتركي حول إنشاء ما تسمى «المنطقة الآمنة» شمال سورية يخدم إسرائيل.
في السابع من آب الماضي، خرج المسؤولون الأتراك والأميركيين، وأعلنوا اتفاقهم على إنشاء مركز عمليات مشترك في تركيا، تمهيداً لإنشاء «منطقة آمنة» شمال سورية.
سورية، من جانبها، أعربت عن رفضها القاطع والمطلق لاتفاق المنطقة الآمنة المزعوم، مؤكدةً أنه يشكل اعتداءً فاضحاً على سيادة ووحدة أراضيه، وانتهاكاً سافراً لمبادئ القانون الدولي.
وفي حديث لقناة «بيزم» التليفزيونية التركية، قال شنار: «أردوغان يهدد ويتوعد إسرائيل، لكنه ليس جاداً في ذلك وكل ما يقوله في هذا الموضوع إنما هو للاستهلاك الداخلي لأنه لم ولن يفعل أي شيء ضد إسرائيل».
وقال «أردوغان حليف إستراتيجي لإسرائيل وأميركا منذ اليوم الأول له في سدة الحكم»، وأضاف أن أردوغان أسهم في تشريع الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة بتوقيعه على اتفاقية التطبيع مع إسرائيل، وكان أردوغان أجرى تطبيعاً كاملاً في العلاقات مع إسرائيل في عام 2016، وتضمنت وثيقة التطبيع ذكر مدينة القدس المحتلة كعاصمة لإسرائيل.
على صعيد الاقتصاد التركي فإنه يسير ببطء نحو أزمة كبيرة ومتفجرة، تركيا التي تعتمد على السياحة، تلقت ضربة كبيرة هذا الموسم، ووجود ليرة تركية ضعيفة ومتراجعة، كما هوت السندات المقومة بالدولار، وأسهمت التوترات التجارية بين عدد من الدول الكبرى وحالة الحرب المستمرة في شمال سورية في مزيد من اضطراب الاقتصاد التركي وتراجع حجم التدفقات المالية للبلاد، العجز التركي في الموازنة كبير أيضاً. لا شيء يمكن أن ينظر إليه بإيجابية على الساحة الاقتصادية التركية، وهذا ستفاقم في الفترة المقبلة الانشقاقات.
في لهجة بالغة الحدة، جدد رئيس وزراء تركيا السابق أحمد داوود أوغلو هجومه ضد سياسات أردوغان. وهدد بكشف أسرار قائلاً: إن «كثيرين سيخجلون من النظر في وجوه الناس، إذا فتحتُ دفاتر مكافحة الإرهاب، وستسوَّد وجوه كثيرة»، في إشارة إلى مسؤولين أتراك كبار تورطوا في دعم الإرهاب.
وكانت تقارير إعلامية وحقوقية عديدة اتهمت أردوغان ومسؤولين في حكومته بدعم تنظيم «داعش»، عبر جعل تركيا محطة عبور أساسية لهم للانضمام إلى التنظيم، ناهيك عن الصلات الخفية والمعلنة بين حكومة أردوغان وجبهة النصرة الإرهابية.
منذ محاولة الانقلاب المزعوم في 15 يوليو 2016، اعتُقل نصف مليون شخص بدعوى ضلوعهم في عمليات إرهابية، بحسب صحيفة «واشنطن بوست» ويشمل ذلك الأكاديميين والصحفيين والسياسيين المنتخبين بعد أشهر من الانتخابات المحلية التي مني فيها حزبه بهزائم مؤلمة في إسطنبول ومدن رئيسية أخرى، يبدو من الواضح أنه مستمر بسياسته القمعية.
آخر دليل على ذلك هو قرار محكمة جنائية بإصدار حكم على مسؤولة كبيرة في المعارضة في إسطنبول بالسجن مما يقارب عشرة أعوام.
المسؤولة المعنية، جنان قفطانجي أوغلو، هي المساعدة الرئيسية لأكرم إمام أوغلو، عمدة إسطنبول الجديد. تقول شخصيات من المعارضة إن أسلوب وتوقيت محاكمة قفطانجي «مجرد قضية سياسية» كما عزل أردوغان عمد ثلاث مدن في جنوب شرقي تركيا بالقوة من مناصبهم بعد خمسة أشهر فقط من انتخابهم.
تأتي هذه الخطوات في وقت يواجه أردوغان، معارضة متجددة، وسخطاً شعبياً حاداً بسبب الركود الاقتصادي، كما يواجه تهديداً بانقسام داخل حزبه وإطلاق حزب جديد، أردوغان يواجه هذا الواقع بمزيد من القمع، تركيا أردوغان تعيش مثلث الإرهاب والقمع والابتزاز السياسي وتأسيس أوغلو وبابا جان، لحزب جديد سيمثل صفعة قوية لأردوغان، وسيكون مؤشرًا آخر يضاف إلى جملة المؤشرات والعوامل التي تقول إن عهد السلطان السياسي القوي في طريقه إلى الزوال.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن