قضايا وآراء

الصهاينة و«حرية العبادة»!

| د. يوسف جاد الحق

ينص ميثاق هيئة الأمم المتحدة على ضمان حرية العبادة، وحماية أماكنها لسائر البشر، وقل مثل ذلك في مؤسسات دولية واجتماعية أخرى كثيرة، فأين هي هذه الهيئة وغيرها اليوم مما يجري في أرضنا فلسطين من عدوان سافر فاجر مستديم، سواء على الإنسان أم على المكان كالمسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي، وكنيستي المهد والقيامة وغيرهما، منذ قيام الكيان الصهيوني حتى يوم الناس هذا؟
يتساءل العالم كله: لماذا تلتزم تلك الهيئة وغيرها من المؤسسات الدولية الصمت المطبق إزاء ما يحدث، وكأنها لا ترى ولا تسمع، في الوقت الذي تقيم فيه الدنيا ولا تقعدها إذا ما تعرض كنيس يهودي للمسّ أو الإساءة؟ بل هي تذهب إلى أبعد من ذلك إذا ما تعرض قدس أقداسهم «الهولوكوست» إلى مجرد نقد كلامي يسلك في تفصيل من أمره كالعدد أو التاريخ، فتعمد تلك الهيئات إلى دمغه بما يسمى «معاداة السامية» التهمة التي يرتجف إزاءها ساسة الغرب ومثقفوه حتى أمست هذه وكأنها ديانة سماوية لا ينبغي الاقتراب منها بغير الاحترام الفائق والتقديس اللائق!
جرائم الصهيونية في هذا الصدد لا يحصيها حصر، نذكر منها ما حدث بالأمس القريب في مدينة الخليل عندما اقتحم رئيس وزراء كيان الاحتلال المدعو بنيامين نتنياهو الحرم الإبراهيمي في حماية الجنود والمستوطنين المدعوين ليمنعوا الفلسطينيين من الصلاة فيه، أو الاقتراب من المنطقة كلها، ليعلن نتنياهو بوقاحة منقطعة النظير، بأنه «يعود اليوم إلى جذوره التي لن يخرجه منها أحد إلى الأبد..»! يقول بعضهم إنها دعاية انتخابية، غير أن الرجل يعي ما يقول وفق مفاهيمه وتخيلاته.
ومن جرائمهم الكبرى، التي قل نظيرها ما حدث في رمضان عام 1991 في هذا الحرم عندما أقدم المدعو غولد شتاين أحد كبار مجرميهم على اقتحام الحرم ليصلي المصلين برصاص رشاشه فيوقع عدداً كبيراً من الشهداء والمصابين، وهم ركع سجود، قبل أن يقضي عليه الأحياء من المصلين دوساً تحت أقدامهم، ولكن إسرائيل أقامت لغولد شتاين هذا نصباً تذكارياً «يخلد بطولته»! ترى تحت أي عنوان يمكن أن يدرج صنيعهم هذا؟
كما نذكر ما حدث في يوم عيد الأضحى الماضي، عندما اقتحم قطعان المستوطنين المسجد الأقصى في وقت صلاة العيد تماماً، وليبقوا في المسجد حتى موعد صلاة الظهر إمعاناً في الكيد والحقد، مستهترين بسائر المواثيق والأعراف والقيم المعروفة لدى جميع البشر على مر الزمن.
لا ننسى ما حدث عام 1969 عندما أقدم اليهودي الأسترالي مايكل دينس روهان على إحراق المسجد الأقصى، ومنع جنود الاحتلال أبناء فلسطين الذين هبوا لإطفاء الحريق من الاقتراب من المكان لكي تأخذ جريمة الإحراق مداها وغايتها، ومن أجل التغطية على الجريمة نسبت إليه صفة الاختلال العقلي، ثم تم إبعاده إلى موطنه في أستراليا، وكأن شيئاً لم يكن.
كما نذكر أيضاً قيام رئيس وزرائهم يومئذ أرييل شارون عندما عمد إلى اقتحام الأقصى عام 1992 بحماية رهط من عسكره، واعتدائهم على الفلسطينيين المتواجدين هناك الذين تصدوا للجناة مما أدى إلى قيام الانتفاضة الثانية التي شملت ربوع فلسطين كلها وكان من شأنها ما كان من زعزعة الكيان الصهيوني.
بل إن الصهاينة لم يتورعوا عن منع الأذان في مساجد القدس، وسائر أرجاء الضفة، فهب إخوانهم من المسيحيين بدعوتهم إلى رفع الأذان من داخل الكنائس هناك، والكنائس نفسها لم تسلم من اعتداءات الصهاينة غير مرة، كالحصار والاقتحام واعتقال المطارنة والرهبان، من بينهم المطران كابوتشي والمطران عطا اللـه حنا الفلسطيني المعروف بمواقفه الوطنية العظيمة، التي تمثل وحدة شعب فلسطين بأجلى معانيها.
يمكننا القول إن يوماً واحداً لا يمر من دون انتهاك جديد لأماكن العبادة الإسلامية والمسيحية في فلسطين. ولا يسعنا هنا إغفال الدور الأميركي، فأميركا كانت على مدى التاريخ شريكة للكيان الصهيوني، سواء بالفعل المباشر، أم ببسط حمايتها ورعايتها، وإسكات الكثير من دول العالم عن مجرد الاستنكار، ناهيكم عن الرفض والإدانة، هذا على الرغم من ملئها الدنيا ضجيجاً عن مزاعم حرصها على احترام المواثيق الدولية ورعاية الحقوق الإنسانية. ولقد رأينا مؤخراً المبعوث الأميركي جيسون غرينبلات ومعه سفير أميركا اليهودي الصهيوني ديفيد فريدمان يشاركان في عمليات الهدم تحت المسجد الأقصى بالمعاول.
العالم كله يشهد هذا يومياً على الفضائيات، ومع ذلك لا تحرك تلك الهيئات حامية حقوق الإنسان وراعية المواثيق الدولية ساكناً، ما دام الصهاينة هم الجناة وأميركا هي الحامية والشريك وما دام الفلسطينيون هم الضحايا، فهل من عنصرية أوضح وأسوأ؟
هذا ما عرفناه على مدى قرن كامل، ولن يخرجنا منه سوى انتفاضة عارمة تقضي على هذا الوباء الذي استشرى وطال أمده في بلادنا، فالانتفاضة والمقاومة سبيلنا الأوحد إلى الخلاص، ولا شيء غير ذلك يوصلنا إلى تحرير فلسطين وعودة أهلها إليها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن