من دفتر الوطن

الحياة لعبة اختباء

| حسن م. يوسف

«الدنيا مسرح كبير، وكل النساء والرجال ما هم إلا ممثلون على هذا المسرح»، أطلق وليم شكسبير عبارته الشهيرة هذه في مسرحية «كما تحبها»، وهي كوميديا رعوية كتبها عام 1599. وقد قيل عن الحياة والمسرح منذ ذلك الوقت وحتى الآن، الكثير من المقولات التي استوقفتني بهذا الصدد، إحداها للكاتب الليبي الكبير إبراهيم الكوني: المسرح دنيا… تتفرج فيه الأغلبية على الأقلية. والدنيا مسرح… تتفرج فيه الأقلية على الأغلبية».
ومن آخر التشبيهات التي مستني عميقاً حول هذا الموضوع المقولة المعاكسة التي طرحها العرض المسرحي (طميمة) الذي كتب نصه شادي كيوان، وأخرجه عروة العربي: «الحياة لعبة اختباء، والكل مختبئون».
أعترف لكم أنني قرأت مديحاً شاهقاً لعرض (طميمة)، كما قرأت نقداً فادحاً له، وأنا أعلم بحكم السن والخبرة أن الناس عندما يختلفون حول عمل، فهذا يعني أنه جدير بالاهتمام. وهذا ما دفعني لكي أقطع أكثر من ثلاثمئة كيلومتر كي أشاهد عرض (طميمة)، وأنا سعيد حقاً لأنني فعلت.
أهم ما لفتني في هذا العرض الذي قدم على خشبة مسرح القباني بدمشق، هو صيغته المتكاملة التي أيقظت في داخلي ذكرى عرض متكامل شاهدته على الخشبة نفسها قبل واحد وثلاثين عاماً هو عرض «سكان الكهف» لأبهى أبناء جيلنا المخرج المبدع فواز الساجر.
أستطيع القول من دون مواربة: إن كل واحد من المشاركين في عرض (طميمة) له حصة وافية من ألق الحضور، بدءاً بصاحب النص الكاتب الشاب الموهوب شادي كيوان، الذي قدم لنا حكاية شائقة ذات بنية درامية تصاعدية، حافلة بالدلالات والإشارات، صحيح أن حضور المحادثة كان على حساب الحوار أحياناً، إلا أن هذا الأمر عزز واقعية الحكاية وجعلها أقرب إلى حياتنا اليومية الحالية. الأمر الذي كرسه الديكور المفرط في واقعيته، والتلفزيون الذي يبث مادة إخبارية منذ دخول أول مشاهد إلى الصالة.
في المشهد الأول من المسرحية يخيل للمشاهد أنه على وشك أن يرى حكاية حب بين سيف وليلى. لكن الصفعة تأتينا عندما نكتشف أن سيف يختبئ في غرفته منذ سنتين هرباً من الخدمة الإلزامية، وليلى هي خطيبة صديقه طارق الذي لجأ إلى ألمانيا هرباً من الحرب. يخبئ سيف ليلى في الخزانة عندما يقرع الباب من الصديق الثالث حسام الانتهازي المتعايش مع الأوضاع. ويزداد الأمر تعقيداً عندما يحضر حسام كلاً من صديقة سيف القديمة، بنيَّةِ مصالحتِها معه، وطارق القادم من ألمانيا. وفي مشاهد مشحونة بالتوتر، نكتشف أن كل واحد من الأصدقاء الثلاثة قد مارس (الخيانة) بشكل ما، فسيف أحب خطيبة صديقه، وحسام غازلها عندما كان في حالة سكر، وطارق تزوج عليها.
بعد انتهاء المكاشفات الجارحة، التي ضيعت ليلى ثلاثاً، يتجه سيف إلى الخزانة لإخراج ليلى منها فلا يجدها! وهنا يتساءل المشاهد هل هربت ليلى أثناء انقطاع الكهرباء، أم خرجت عبر النافذة الواقعة وراء الخزانة.
ينتهي العرض بأغنية جميلة بكلماتها ولحنها وأدائها، لكنها بدت لي زائدة عن اللزوم، لأنها أخذت مزاج المشاهد إلى مكان آخر بدلاً من أن تتركه في مواجهة السؤال الكبير، المطروح علينا: هل نحن جميعاً مسؤولون عن ضياع الحبيبة ليلى؟
غامر الشكر للمبدعين يزن خليل وكرم شعراني وكفاح الخوص ومرح حسن ومرح حجار. والشكر من قبل ومن بعد للمخرج المتمكن عروة العربي الذي تجسدت من خلال روحه الرهيفة وحدة هذا العرض المفيد والممتع.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن