ثقافة وفن

صراع على البقاء بالبيت الشامي

| منير كيال

تشدنا الذاكرة إلى استرجاع ما كان عليه أسلافنا بالأسرة التقليدية، يوم كانت الأسرة أشبه بالقبيلة، بما تضم من أبناء وآباء وأجداد يعيشون بدار واحدة ويأكلون من طبخة واحدة وكانت المرأة مع زوجها وحماتها وبنات حميها وسلايفها بل ضرتها.
وإذا كانت الأسرة تشكّل اللبنة الأولى بالصرح الاجتماعي، فهي أهم عناصر بناء المجتمع، وهي الملاذ الوحيد الذي يلجأ إليه الإنسان، والواحة التي يأنس إليها، ذلك أن الزواج سنّة الكون، وهو السبيل الوحيد لاستمرار بقاء الإنسان على الأرض.

كان أسلافنا يعتبرون المرء الذي لم يتزوج إنساناً غير طبيعي وكان موضع سخرية لدى من حوله وكان إلى عهد قريب يردد الناس بشأنه:
هذا العزابي يا دلّه
مافي مين يغسل لّه
داير على جيرانه
بقمله وصيبانه
صابونته بجيبته
الله يعلن هيبته
ذلك لأن بناء الأسرة شرعة الله بهذه الحياة، لبقاء الجنس البشري، والإنسان في مجتمعنا يقدّس الأسرة، ويكبر من شأن الزواج، وقد جعل أبناء مدينة دمشق لمدينتهم طابعاً مميزاً، أكان ذلك في سلوكهم، أم طباعهم وتعاملهم.
وكانت الأسرة الدمشقية بأواخر القرن التاسع عشر حتى أواسط القرن العشرين أشبه بالقبيلة، لكونها تضم الجد والآباء والأحفاد وزوجاتهم وأولادهم، ويعيش الجميع بدار واحدة ويأكلون من طبخة واحدة.
كانت الأم بذلك الحين، شديدة الحرص على تلقين ابنتها لدى زفها إلى زوجها، أبجدية التعامل مع الزوج، وخاصة ما تقع عليه عينه، وما يشم أنفه، وما يدخل إلى معدته من طعام وشراب.
لكن العلاقة بين الزوجة وحماتها وهي والدة الزوج وبنات حميها وهنّ أخوات الزوج، لم تكن على ما يرام، لاعتبار والدة الزوج أن زوجة ابنها أو كنتها ليست أكثر من خادمة، عليها أن تقوم بخدمة البيت مما يبرر قولهم:
مكتوب على ورق الجنة
عمرها حماية ما حبت كنة
كانت الحماية ترغب في أن تكون زوجة ابنها طوع أمرها ولو قالت لها: إن اللبن أسود.
ولعل هذا الموقف للحماة، ناجم عن اهتمام الزوج بزوجته وهي ترى أن في ذلك ضياع تعبها بتربيته.
فضلاً عن ذلك، فقد كانت هذه الحماية توصي ابنها بألا يظهر السنّ الحلو أو الضاحك، مخافة أن تسيطر الكنّة على ابنها وتأخذه منها، وبالتالي فإن شقيقات الزوج كنّ على نهج أمهن بمعاملة زوجة أخيهن، وبالمقابل فإن مشاعر الزوجة نحو حماتها وبنات حميها لبست أحسن حالاً من تعاملهن معها فكانت الحماية وبناتها بنظر الزوجة كما يقولون:
الحماية حمّى وبنات الإحما عقربة مسمّة.
فضلاً عن ذلك، فقد كانت العلاقة بالأسرة التقليدية بين الزوجة وضرتها وسلفتها على نحو من الحذر والشك والريبة وحب الإيقاع بالآخر، إذ كان سكناهنّ بدار واحدة، كما يكون بينهن من أسباب الحسد والغيرة.
وقد كان زواج الرجل بأكثر من امرأة واحدة منتشراً بأواسط القرن العشرين المنصرم وهذا جعل الزوجة الأولى تشعر بالاعتداء على حياتها الزوجية، ذلك أن الضرة تقاسم الزوجة الأولى حياتها الزوجية مهما كانت عليه تلك الضرة من استعداد للتعايش مع الزوجة الأولى وفي ذلك قولهم:
الضرّة مرّة ولو كانت آجرّة.
لما في ذلك من إيذاء لعواطفها، ومع ذلك فقد كان على الزوجة الأولى أن تقبل زواج زوجها عليها خوفاً من أن تأخذ الزوجة الثانية أولادها فيضطروا للعيش تحت رحمة زوجة أبيهم.
وإذا كانت العلاقة بين الزوجة وضرّتها على هذا النحو فإن العلاقة بين السلايف الساكنات بدار واحدة، كانت قائمة على الكيد والحقد الدفين بذلك الحين وفي ذلك قولهن:
بين السلفة والسلفة داءات مختلفة.
وقالوا في العلاقة بين المرأة وضرتها:
مركب الضراير سار ومركب السلايف احتار
لأن السلفة آنذاك لا تحب الخير لسلفتها ولا تتوافق معها فلا يهدأ للواحدة منهن بال ولا تغمض لها عين إذا كانت سلفتها على نحو مريح.
وهذا الوضع يزداد سوءاً إذا كانت السلفة على سعةٍ مالية أو أرفع مكانة اجتماعية من سلفتها، وقد ترامى إلى مسامعنا أن من السلايف من كانت تلجأ إلى المشعوذين للإيقاع بسلفتها.
وإذا كانت العلاقة بين السلفة والسلفة على نحو مريح، فباطن هذه العلاقة على نحو آخر لما تكنّ الواحدة منهن للأخرى من غيرة وحقد.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن